الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأقل الحيض يوم وليلة ، وقال في موضع [ آخر ] : يوم ، فمن أصحابنا من قال : هما قولان ، ومنهم من قال : [ هو ] يوم وليلة قولا واحدا ، وقوله : يوم أراد بليلته ، ومنهم من قال : يوم قولا واحدا ، وإنما قال : يوم وليلة قبل أن يثبت عنده اليوم فلما ثبت عنده [ اليوم ] رجع إليه ، والدليل على ذلك أن المرجع في ذلك إلى الوجود ، وقد ثبت الوجود في هذا القدر . قال [ ص: 403 ] الشافعي رحمه الله : رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه . وقال الأوزاعي رحمه الله : عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية . وقال عطاء رحمه الله : رأيت من النساء من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما وقال أبو عبد الله الزبيري رحمه الله كان في نسائنا من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما وأكثره خمسة عشر يوما ، لما رويناه عن عطاء وأبي عبد الله الزبيري وغالبه ست أو سبع لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش : " { وتحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام كما تحيض النساء ويطهرن ميقات حيضهن وطهرهن } " وأقل طهر فاصل بين الدمين خمسة عشر يوما لا أعرف فيه خلافا ، فإن صح ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { في النساء نقصان دينهن إن إحداهن تمكث شطر دهرها لا تصلي } " دل ذلك على أن أقل الطهر خمسة عشر يوما ، لكني لم أجده بهذا اللفظ إلا في كتب الفقه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) في الفصل مسائل : ( إحداها ) في أقل الحيض ، نص الشافعي رحمه الله في العدد أن أقله يوم ، ونص في باب الحيض من مختصر المزني وفي عامة كتبه أقله يوم وليلة ، واختلف الأصحاب فيه على ثلاث طرق ذكرها المصنف بدليلها .

                                      ( أحدها ) يوم بلا ليلة ، ( والثاني ) قولان أحدهما : يوم بلا ليلة والثاني : يوم وليلة .

                                      ( والطريق الثالث ) وهو أصحها باتفاق الأصحاب أن أقله يوم وليلة قولا واحدا وهذا الطريق قول المزني وأبي العباس بن سريج وجماهير أصحابنا المتقدمين وقطع به كثيرون من المتأخرين ونقله المحاملي وابن الصباغ عن الأكثرين . قال الشيخ أبو حامد وآخرون : ولا يصح قول من قال : فيه قولان : ; لأن الاعتبار بالوجود ، فإن صح الوجود في يوم تعين ، قالوا : ولأنه إذا أمكن حمل كلاميه على حالين كان أولى من الحمل على قولين ، كذا كل مجتهد ، كما إذا أمكن حمل حديثي النبي صلى الله عليه وسلم على حالين ، والجمع بينهما كان مقدما على النسخ والتعارض ، وضعف الشيخ أبو حامد وإمام الحرمين وغيرهما طريقة القطع بيوم ; لأن الشافعي رحمه الله إنما قال : " يوم " في مسائل العدد اختصارا أو حين أراد تحديد أقل الحيض في بابه ، والرد على من قال أقله ثلاثة أيام ، قال الشافعي : أقله يوم وليلة ، فوجب اعتماد [ ص: 404 ] ما حققه في موضع التحديد ، هذا هو المشهور في مذهبنا ، والموجود في كتب أصحابنا . وقال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه اختلاف الفقهاء : حدثني الربيع عن الشافعي أن الحيض يكون يوما وأقل وأكثر ، قال : وحدثني الربيع أن آخر قول الشافعي أن أقل الحيض يوم وليلة ، وهذا النص الذي نقله ابن جرير عن الشافعي غريب جدا ، ولكن تأويله على ما سأذكره في الفرع بعد هذا إن شاء الله تعالى ، والصواب عند الأصحاب أن أقل الحيض يوم وليلة وعليه التفريع والعمل وما سواه متأول عليه ودليله من نص الشافعي رحمه الله شيئان ، ( أحدهما ) : أنه ذكره في معظم كتبه وفي مظنته ، ( والثاني ) : أنه آخر قوله كما نقله الثقة ابن جرير .

                                      ( المسألة الثانية ) أكثر الحيض خمسة عشر باتفاق أصحابنا ، وذكر المصنف دليله .

                                      ( المسألة الثالثة ) غالب الحيض ست أو سبع بالاتفاق .

                                      ( المسألة الرابعة ) أقل طهر فاصل بين حيضتين خمسة عشر يوما باتفاق أصحابنا ; لأنه أقل ما ثبت وجوده ولا حد لأكثره بالإجماع . قال أصحابنا : وقد تبقى المرأة جميع عمرها لا تحيض وحكى القاضي أبو الطيب أن امرأة كانت في زمنه تحيض في كل سنة يوما وليلة وهي صحيحة تحبل وتلد وكان نفاسها أربعين يوما . وأما غالب الطهر ، فقال أصحابنا : هو ثلاثة وعشرون يوما أو أربعة وعشرون ، بناء على أن غالب الحيض ماذا ؟ فالغالب أن في كل شهر حيضا وطهرا فغالب الحيض ستة أو سبعة وباقيه طهر . هذا ما يتعلق بإيضاح أصل المذهب . وأما قوله طهر فاصل بين الدمين خمسة عشر يوما فاحترز به عن شيئين : ( أحدهما ) : الطهر الذي بين الحيض والنفاس إذا قلنا بالأصح : إن الحامل تحيض فإنه يجوز أن يكون دون خمسة عشر ولو يوما على المذهب الصحيح ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

                                      ( الثاني ) : أيام النقاء المتخللة ، بين [ ص: 405 ] أيام الحيض في حق ذات التلفيق إذا قلنا بالتلفيق ، وأراد المصنف بقوله : بين الدمين : بين الحيضتين ، ولو قال : بين الحيضتين كما قال في التنبيه لكان أحسن ليحترز عن الشيئين المذكورين والله أعلم .

                                      وأما قوله : لا أعرف فيه خلافا ، فمحمول على نفي الخلاف في مذهبنا ، وإلا فالخلاف فيه للعلماء مشهور ، سنذكره في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى . وأما قول المحاملي في كتابيه : أقل الطهر خمسة عشر يوما بالإجماع ، ونحوه في التهذيب وقول القاضي أبي الطيب في مسألة التلفيق : أجمع الناس أن أقل الطهر خمسة عشر يوما فمردود غير مقبول ، فلا يحمل كلام المصنف عليه ، وإن كان لو حمل عليه لم يكن غلطا في اللفظ فإنه قد قال : لا أعرف فيه خلافا ولا يلزم من عدم معرفته عدم الخلاف والله أعلم . وأما حديث : " { تمكث شطر دهرها } " فحديث باطل لا يعرف ، وإنما ثبت في الصحيح " { تمكث الليالي ما تصلي } " كما سبق بيانه في مسألة تحريم الصوم ، وأما حديث حمنة فصحيح ، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما من رواية حمنة ، قال الترمذي : هو حديث حسن قال : وسألت البخاري عنه فقال : هو حديث حسن ، قال : وكذا قال أحمد بن حنبل : هو حديث حسن صحيح ، فقال الخطابي : وقد ترك بعض العلماء الاحتجاج بهذا الحديث ; لأن راويه عبد الله بن محمد بن عقيل ليس بذاك .

                                      ( قلت ) : هذا الذي قاله هذا القائل لا يقبل فإن أئمة الحديث صححوه كما سبق ، وهذا الراوي وإن كان مختلفا في توثيقه وجرحه فقد صحح الحفاظ حديثه هذا ، وهم أهل هذا الفن ، وقد علم من قاعدتهم في حد الحديث الصحيح والحسن ، أنه إذا كان في الراوي بعض الضعف أجيز حديثه بشواهد له أو متابعة وهذا من ذلك . وقوله صلى الله عليه وسلم : " { تحيضي في علم الله } " أي : التزمي الحيض وأحكامه فيما أعلمك الله من عادة النساء ، هكذا قاله أصحابنا في كتب الفقه ، والعلم هنا بمعنى المعلوم . وقال الخطابي : معناه فيما علم الله من أمرك من ستة أو سبعة وقوله صلى الله عليه وسلم " { كما تحيض النساء } " المراد غالب النساء لاستحالة [ ص: 406 ] إرادة كلهن لاختلافهن وقوله صلى الله عليه وسلم : " ميقات حيضهن " وهو بنصب التاء على الظرف أي : في وقت حيضهن ، واختلفوا في حال حمنة فقيل : كانت مبتدأة فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غالب عادة النساء ، وقيل : كانت معتادة ستة أو سبعة فردها إليها ، ذكر هذا الخلاف فيها الخطابي وجمهور أصحابنا في كتب المذهب وذكرهما الشافعي رحمه الله في الأم احتمالين . واختار المصنف بعد هذا أنها كانت مبتدأة وكذا اختار إمام الحرمين وابن الصباغ والشاشي وآخرون ورجحه الخطابي قال : ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم " { كما تحيض النساء ويطهرن } " . واختار الشافعي رحمه الله في الأم أنها كانت معتادة وأوضح دليله وقال : هذا أشبه معانيه . قال صاحب التتمة : من قال كانت معتادة ذكروا في ردها إلى الستة أو السبعة ثلاث تأويلات : أحدها معناه ستة إن كانت عادتك ستة أو سبعة إن كانت عادتك سبعة . الثاني : لعلها شكت هل عادتها ستة أو سبعة ؟ فقال : تحيضي ستة إن لم تذكري عادتك ، أو سبعة إن ذكرت أنها عادتك . الثالث : لعل عادتها كانت تختلف ، ففي بعض الشهور ستة وفي بعضها سبعة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " { ستة في شهر الستة وسبعة في شهر السبعة } " فتكون لفظة ( أو ) للتقسيم ، وبسطت الكلام في هذا الحديث ; لأنه من الأحاديث التي عليها مدار كتاب الحيض وتدخل في كل مصنفات الحيض ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) ذكر المصنف في هذا الفصل حمنة بنت جحش وعطاء والأوزاعي ، والزبيري ، فأما حمنة فبحاء مهملة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم نون ثم هاء وأبوها جحش بجيم مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة ثم شين معجمة وهي أخت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأما عطاء فهو أبو محمد عطاء بن أبي رباح ، واسم أبي رباح أسلم وعطاء من كبار أئمة التابعين في الفقه والزهد والورع وغير ذلك وهو أحد شيوخنا في سلسلة التفقه ، فهو شيخ ابن جريج الذي هو شيخ مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي [ ص: 407 ] كما سبق بيانه في مقدمة الكتاب . توفي عطاء رحمه الله سنة أربع عشرة ومائة وقيل : خمس عشرة وقيل سبع عشرة . وأما الأوزاعي فهو أبو عمر من كبار تابعي التابعين وأئمتهم البارعين كان إمام أهل الشام في زمنه ، أفتى في سبعين ألف مسألة وقيل : ثمانين ألفا توفي في خلوته في حمام بيروت مستقبل القبلة متوسدا بيمينه سنة سبع وخمسين ومائة قيل : هو منسوب إلى الأوزاع قرية كانت بخارج باب الفراديس من دمشق ، وقيل : قبيلة من اليمن وقيل : غير ذلك . وأما الزبيري ، فهو من أصحابنا أصحاب الوجوه منسوب إلى الزبير بن العوام أحد العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنه وهو أبو عبد الله الزبيري بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن الزبير بن العوام وللزبيري كتب نفيسة وأحوال شريفة فهذه أحرف في تعريف هذه الأسماء وقد بسطت أحوال أصحابها ومناقبهم في تهذيب الأسماء وبالله التوفيق .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما وكذا أقل الطهر والمراد خمسة عشر بلياليها وهذا القيد لا بد منه لتدخل الليلة الأولى .

                                      ( فرع ) لو وجدنا امرأة تحيض أقل من يوم وليلة أو أكثر من خمسة عشر أو تطهر أقل من خمسة عشر ، واشتهرت عادتها كذلك متكررة ففيها ثلاثة أوجه حكاها إمام الحرمين والغزالي وغيرهما ، ( أحدها ) : لا يعتبر حال هذه بل الحكم على ما عهد ; لأن بحث الأولين أوفى ( والثاني ) : يعتبر ليكون هذا حيضها وطهرها ; لأن الاعتماد على الوجود وقد حصل قال إمام الحرمين : هذا قول طوائف من المحققين منهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني والقاضي حسين .

                                      ( قلت ) : واختاره الدارمي في الاستذكار وصاحب التتمة .

                                      ( والثالث ) : [ ص: 408 ] إن كان قدرا يوافق مذهب السلف الذين يقولون باعتماد الوجود اعتمدناه وعملنا به ، وإن لم يوافق مذهب أحد لم يعتمد . قال إمام الحرمين : والذي أختاره ولا أرى العدول عنه الاكتفاء بما استقرت عليه مذاهب الماضين من أئمتنا في الأقل والأكثر ، فإنا لو فتحنا باب اتباع الوجود في كل ما يحدث وأخذنا في تغيير ما يمهد تقليلا وتكثيرا لاختلطت الأبواب وظهر الاضطراب ، والوجه اتباع ما تقرر للعلماء الباحثين قبلنا . وذكر الرافعي نحو ما ذكره إمام الحرمين ثم قال : فالأظهر أنه لا اعتبار بحال هذه المرأة . بل الاعتبار بما تقرر ; لأن احتمال عروض دم الفساد لهذه المرأة أقرب من انخرام العادة المستمرة . قال : ويدل عليه الإجماع على أنها لو كانت تحيض يوما وتطهر يوما على الاستمرار لا يجعل كل نقاء طهرا مستقلا كاملا . قال : فهذا الوجه هو المذهب المعتمد وعليه تفريع الباب ، واختار الشيخ أبو عمرو بن الصلاح قول الأستاذ أبي إسحاق فقال : الصحيح اتباع ذلك فإنه نص الشافعي ، نقله عنه صاحب التقريب فيه ، وناهيك إتقانا وتحقيقا واطلاعا ، وكأن الأصحاب لم يطلعوا على النص . قال : وفي المحيط للشيخ أبي محمد الجويني عن الأستاذ أبي إسحاق قال : كانت امرأة تستفتيني بإسفرايين . وتقول : إن عادتها في الطهر مستمرة على أربعة عشر يوما على الدوام فجعلت ذلك طهرها على الدوام .

                                      ( قلت ) : وهذا النص الذي نقله أبو عمرو واختاره موافق لما قدمته عن ابن جرير عن الربيع عن الشافعي ، فإن ذلك النص وإن كان مطلقا فهو محمول على هذه الصورة والله أعلم .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في أقل الحيض والطهر وأكثرهما أجمع العلماء على أن أكثر الطهر لا حد له ، قال ابن جرير : وأجمعوا على أنها لو رأت الدم ساعة وانقطع لا يكون حيضا . وهذا الإجماع الذي ادعاه غير صحيح فإن مذهب مالك أن أقل الحيض يكون دفعة فقط ، واختلفوا فيما سوى ذلك ، فمذهبنا المشهور أن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة [ ص: 409 ] عشر . قال ابن المنذر : وبه قال عطاء وأحمد وأبو ثور . وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : أكثر الحيض عشرة أيام وأقله ثلاثة أيام . قال : وبلغني عن نساء الماجشون أنهن كن يحضن سبع عشرة . قال أحمد : أكثر ما سمعناه سبع عشرة .

                                      قال ابن المنذر وقال طائفة : ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام ، بل الحيض إقبال الدم المنفصل عن دم الاستحاضة . والطهر إدباره ، وقال الثوري : أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما ، قال أبو ثور : وذلك مما لا يختلفون فيه فيما نعلم ، وأنكر أحمد وإسحاق التحديد في الطهر . قال أحمد : الطهر ما بين الحيضتين على ما يكون ، وقال إسحاق : توفيتهم الطهر بخمسة عشر باطل ، هذا نقل ابن المنذر ، وحكى أصحابنا عن أبي يوسف أقل الحيض يومان وأكثره الثالث ، وعن مالك لا حد لأقله وقد يكون دفعة واحدة . وحكى الماوردي عن مالك ثلاث روايات في أكثر الحيض ( إحداها ) خمسة عشر ، ( والثانية ) سبعة عشر ، ( والثالثة ) غير محدود ، وعن مكحول أكثره سبعة أيام ، قال العبدري : واختلف أصحاب مالك في أقل الطهر ، فروى ابن القاسم أنه غير محدود وأنه ما يكون مثله طهرا في العادة ، وروى عبد الملك بن الماجشون أنه خمسة أيام وقال سحنون : ثمانية أيام ، وقال غيره : عشرة أيام ، وقال محمد بن سلمة : خمسة عشر وهو الذي يعتمده أصحابه البغداديون ، وقال أحمد في رواية الأثرم وأبي طالب : أقل الطهر ثلاثة عشر يوما ، وقال الماوردي : قال أكثر العلماء : أقل الطهر خمسة عشر . وقال مالك : أقله عشرة ، وحكى ابن الصباغ عن يحيى بن أكثم بالثاء المثلثة أن أقل الطهر تسعة عشر يوما . فأما أدلة هذه المذاهب فمنها مسألة الإجماع أن أكثر الطهر لا حد له ودليلها في الإجماع ، ومن الاستقراء أن ذلك موجود مشاهد ، ومن أظرفه ما نقله القاضيأبو الطيب في تعليقه قال : أخبرتني امرأة عن أختها أنها تحيض في كل سنة يوما وليلة ، وهي صحيحة تحبل وتلد ونفاسها أربعون يوما .

                                      وأما أقل الحيض فاحتج لمن قال : أقله ثلاثة أيام بحديث أم سلمة رضي الله عنها [ ص: 410 ] { أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنه ، فقالت : إني أستحاض فقال : ليس ذلك الحيض إنما هو عرق ، لتقعد أيام أقرائها ثم لتغتسل ولتصل } " رواه أحمد بن حنبل قالوا : وأقل الأيام ثلاثة ، وبحديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { أقل الحيض ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة أيام } رواه الدارقطني ، وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { لا يكون الحيض أكثر من عشرة أيام ولا أقل من ثلاثة أيام } " . وعن أنس رضي الله عنه قال : " الحيض ثلاث ، أربع ، خمس ، ست ، سبع ، ثمان ، تسع ، عشر " قالوا : وأنس لا يقول هذا إلا توقيفا . قالوا : ; ولأن هذا تقدير ، والتقدير لا يصح إلا بتوقيف أو اتفاق ، وإنما حصل الاتفاق على ثلاث ، واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : " { دم الحيض أسود يعرف ، فإذا كان ذاك فأمسكي عن الصلاة } " رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة . قال أصحابنا : وهذه الصفة موجودة في اليوم والليلة ; ولأن أقل الحيض غير محدود شرعا فوجب الرجوع فيه إلى الوجود ، وقد ثبت الوجود في يوم وليلة كما ذكره المصنف عن عطاء والأوزاعي والشافعي والزبيري .

                                      وروينا بالإسناد الصحيح في سنن البيهقي عن الإمام عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال : كانت امرأة يقال لها أم العلا قالت : حيضتي منذ أيام الدهر يومان قال إسحاق بن راهويه : وصح لنا عن غير امرأة في زماننا أنها قالت : حيضتي يومان وعن يزيد بن هارون قال : عندي امرأة تحيض يومين ، وروي في هذا المعنى غير ما ذكرنا . قال أصحابنا ولا مجال للقياس في هذه ، وأما الجواب عن حديث أيام أقرائها لو ثبت فمن وجهين : ( أحدهما ) ليس المراد بالأيام هنا الجمع بل الوقت ، ( الثاني ) أنها مستحاضة معتادة ردها إلى الأيام التي اعتادتها ، ولا يلزم من هذا أن كل حيض لا ينقص عن ثلاثة أيام ، وأما حديث واثلة وأبي أمامة وأنس فكلها ضعيفة متفق على ضعفها عند المحدثين ، وقد أوضح ضعفها الدارقطني ثم البيهقي في كتاب الخلافيات ثم السنن الكبيرة . وقولهم : التقدير لا يصح إلا بتوقيف ، جوابه أن التوقيف [ ص: 411 ] ثبت فيما ذكرناه ; لأن مداره على الوجود ، وقد ثبت ذلك على ما قدمناه . وأما من قال : أقل الحيض ساعة ، فاعتمدوا ظواهر النصوص المطلقة ، والقياس على النفاس ، واحتج أصحابنا بأن الاعتماد على الوجود ، ولم يثبت دون ما قلناه .

                                      والجواب عن النصوص أنها مطلقة فتحمل على الوجود ، وعن النفاس أنه وجد لحظة ، فعملنا بالوجود فيهما ، وأما من قال : أكثر الحيض عشرة ، فاحتجوا بحديث واثلة وأبي أمامة وأنس وكلها ضعيفة واهية كما سبق ، وليس لهم حديث ولا أثر يجوز الاحتجاج به . واحتج أصحابنا بما ثبت مستفيضا عن السلف من التابعين فمن بعدهم أن أكثر الحيض خمسة عشر ، وأنهم وجدوه كذلك عيانا ، وقد جمع البيهقي أكثر ذلك في كتابه في الخلافيات وفي السنن الكبير ، فممن رواه عنه عطاء والحسن وعبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد وربيعة وشريك والحسن بن صالح وعبد الرحمن بن مهدي رحمهم الله . وأما قول يحيى بن أكثم : أقل الطهر تسعة عشر ، فاستدل له ابن الصباغ قال : أكثر الحيض عنده عشرة ، والشهر يشتمل على حيض وطهر ، وقد يكون الشهر تسعة وعشرين منها عشرة للحيض والباقي طهر ، ودليلنا بثبوت الوجود في خمسة عشر . وأما قوله : فبناه على أن أكثر الحيض عشر وقد بينا بطلانه - فإن قيل روى إسحاق بن راهويه عن بعضهم أن امرأة من نساء الماجشون حاضت عشرين يوما وعن ميمون بن مهران أن بنت سعيد بن جبير كانت تحته وكانت تحيض من السنة شهرين فجوابه بما أجاب به المصنف في كتابه ( النكت ) أن هذين النقلين ضعيفان ، ( فالأول ) عن بعضهم ، وهو مجهول ، وقد أنكره بعضهم ، وقد أنكره الإمام مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة ، ( والثاني ) رواه الوليد بن مسلم عن رجل عن ميمون ، والرجل مجهول والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية