الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1691 (باب الحث على الصدقة على ذوي الحاجة، وأجر من سن فيها سنة حسنة)

                                                                                                                              وقال النووي : (باب الحث على الصدقة؛ ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 102 - 104 ج7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن المنذر بن جرير، ، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار (أو العباء) متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب، فقال "يا أيها الناس! اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ... إلى آخر الآية ( إن الله كان عليكم رقيبا ) والآية التي في الحشر: اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع [ ص: 560 ] بره، من صاع تمره" حتى قال: "ولو بشق تمرة". قال. فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها: بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن جرير بن عبد الله) رضي الله عنهما (قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي الثمار) .

                                                                                                                              بكسر النون. جمع "نمرة" بفتحها. وهي ثياب صوف، فيها تنمير.

                                                                                                                              أي: خرقوها، وقوروا وسطها.

                                                                                                                              (أو العباء) بالمد وفتح العين. جمع "عباءة"، "وعباية". لغتان.

                                                                                                                              (متقلدي السيوف. عامتهم من مضر. بل كلهم من مضر) .

                                                                                                                              [ ص: 561 ] وفي رواية: (جاءنا من الأعراب، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهم الطوف. فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة) .

                                                                                                                              (فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) . بالعين المهملة. أي: تغير.

                                                                                                                              (لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج. فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى. ثم خطب) .

                                                                                                                              فيه: استحباب جمع الناس للأمور المهمة، ووعظهم وحثهم على مصالحهم، وتحذيرهم من القبائح.

                                                                                                                              فقال: يا أيها الناس! اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة إلى آخر الآية إن الله كان عليكم رقيبا والآية التي في الحشر: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله .

                                                                                                                              سبب قراءة هذه الآية، أنها أبلغ في الحث على الصدقة عليهم. ولما فيها من تأكيد الحق. لكونهم إخوة.

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: [ صلى الظهر ثم صعد منبرا صغيرا. فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: " أما بعد ! فإن الله أنزل في كتابه: يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية" ].

                                                                                                                              [ ص: 562 ] ("تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: "ولو بشق تمرة ")

                                                                                                                              "شق التمرة"، بكسر الشين: نصفها وجانبها.

                                                                                                                              وفيه: الحث على الصدقة. وأنه لا يمنع منها لقلتها. وأن قليلها سبب للنجاة من النار.

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: "فاتقوا النار، ولو بشق تمرة".

                                                                                                                              وزاد في رواية أخرى: " فمن لم يجد، فبكلمة طيبة ".

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: " من استطاع منكم: أن يستتر من النار ولو بشق تمرة، فليفعل".

                                                                                                                              (قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة، كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين) بفتح الكاف وضمها.

                                                                                                                              قال عياض : ضبطه بعضهم بالفتح، وبعضهم بالضم.

                                                                                                                              قال ابن سراج: هو بالضم: اسم لما كومه. وبالفتح: المرة الواحدة.

                                                                                                                              قال: والكوم بالضم: الصبرة، والكوم العظيم من كل شيء. والكوم: المكان المرتفع كالرابية.

                                                                                                                              [ ص: 563 ] قال القاضي: فالفتح هنا أولى؛ لأن مقصوده: الكثرة والتشبيه بالرابية.

                                                                                                                              (من طعام، وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل، كأنه مذهبة) .

                                                                                                                              أي: يستنير فرحا وسرورا.

                                                                                                                              "ومذهبة": بذال معجمة، وفتح الهاء، وبعدها موحدة. وهو المشهور. وبه جزم عياض، والجمهور.

                                                                                                                              وذكره الحميدي، في الجمع بين الصحيحين: (مدهنة) بدال مهملة، وضم الهاء، وبعدها نون.

                                                                                                                              وشرحه في كتابه: " غريب الجمع بين الصحيحين" هو وغيره: بالإناء الذي يدهن فيه.

                                                                                                                              وهو أيضا: اسم للنقرة في الجبل، التي يستجمع فيها ماء المطر.

                                                                                                                              فشبه صفاء وجهه الكريم: بصفاء الدهن والمدهن.

                                                                                                                              قال عياض في " المشارق"، وغيره من الأئمة: هذا تصحيف. وهو بالذال المعجمة، والباء الموحدة.

                                                                                                                              ومعناه: فضة مذهبة. وهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه.

                                                                                                                              أو شبه في حسنه ونوره: بالمذهبة من الجلود. وجمعها: " مذاهب ".

                                                                                                                              وهي شيء، كانت العرب تصنعه من جلود. وتجعل فيها خطوطا مذهبة، يرى بعضها إثر بعض.

                                                                                                                              [ ص: 564 ] وأما سبب سروره صلى الله عليه وآله وسلم؛ ففرحا بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى، وبذل أموالهم لله، وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين. وشفقة المسلمين بعضهم على بعض، وتعاونهم على البر والتقوى.

                                                                                                                              وينبغي للإنسان إذا رأى شيئا من هذا القبيل: أن يفرح ويظهر سروره؛ ويكون فرحه لما ذكرناه.

                                                                                                                              (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" )

                                                                                                                              فيه: الحث على الابتداء بالخيرات، وسن السنن الحسنات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات.

                                                                                                                              قال النووي : وسبب هذا الكلام في هذا الحديث؛ أنه قال في أوله:

                                                                                                                              "فجاء رجل بصرة" إلى قوله: "فتتابع الناس".

                                                                                                                              وكان الفضل العظيم للبادي بهذا الخير، والفاتح لباب هذا الإحسان.

                                                                                                                              [ ص: 565 ] قال: وفي هذا الحديث: تخصيص قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".

                                                                                                                              وأن المراد به: المحدثات الباطلة. والبدع المذمومة.

                                                                                                                              قال: وأن البدع خمسة أقسام: واجبة، ومندوبة، ومحرمة، ومكروهة، ومباحة، انتهى.

                                                                                                                              قلت: ليس في هذا الحديث هذا التخصيص، فإن القوم لم يحدثوا شيئا، وإنما امتثلوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              ولم يدل دليل على تقسيم البدعة: إلى خمسة أقسام.

                                                                                                                              بل الكلية باقية على مفهومها، لم يمسها من التخصيص شيء.

                                                                                                                              ومن ذهب إلى تقسيم البدع، لم يأت بشيء يعتمد عليه.

                                                                                                                              فالمراد بالسنة الحسنة: ما وردت به السنة. وبالسنة السيئة: ما لم ترد به السنة.

                                                                                                                              هكذا ينبغي أن يقال في هذا المكان.




                                                                                                                              الخدمات العلمية