الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإن خيانة الأمانة سببها الهوى ، ومسير الهوى ودافعه فتنة المال والولد; ولذا قال تعالى ذاكرا سبب الخيانة ليكون الحذر: [ ص: 3107 ] واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم .

                                                          سبحان منزل القرآن، أنزله نظاما وشرعا محكما، وحكمة منزلة، هو أمرنا ألا نخون، وعلمنا كيف نحارب نوازع الخيانة في نفوسنا، ونعالج منابع الفساد فينا، وهدانا السبيل لأن نربي أنفسنا; طلب إلينا ألا نخون، ثم بين موضع الداء وهو فتنة المال والولد.

                                                          والأمر في قوله تعالى: واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة أمر تعليم وعلم، وهذا العلم هو أن المال والولد فتنة، والفتنة هنا المراد بها الاختبار والامتحان، من فتن الفلز إذا صهره بالنار لإخراج الفلز مما يعلق من مفاسد.

                                                          وإنه بمقدار توقينا لفتنة المال يكون بعدنا عن الخيانة، ولقد قالوا: إنه كان لأبي لبابة الذي ذكرنا أنه شعر بأنه خان الله ورسوله إذ أشار لليهود بأن الحكم الذي سيصدره سعد بن معاذ هو الذبح - كانت له أموال عند اليهود يخاف ضياعها، ففتنة المال أغرته بأن يقدم على الخيانة، وأن يطهر نفسه ذلك التطهير الشديد، بأن يحاول الانخلاع من كل ماله، فيخفف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يجعله في الثلث.

                                                          وفتنة المال أشد فتنة، ويقول الله تعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم

                                                          وقدم المال على الولد; لأن المال في أظهر أحواله متعة خالصة، والولد متعة وتكليف، وما لا تكليف فيه يكون أوضح وأظهر استمتاعا; ولذلك طلب المال الجميع.

                                                          والأبوة متعة، ولكن معها تكليف ورعاية، والذين تفتنهم الدنيا تغرهم الأمور الظاهرة، وتعوق متعتهم الأمور القابلة، وإنه حيث فقد الشخص إحدى المتعتين المال أو الولد - اشتدت الأخرى; ولذا كانت متعة الولد تشتد عند الفقراء، ولا تكون عند الأغنياء كقوتها عند الفقراء، وتلك الفطرة.

                                                          [ ص: 3108 ] وقوله تعالى: أنما أموالكم وأولادكم فتنة فيها قصر الأموال والأولاد على الفتنة، ومن ناحيتها تجد الخيانة مسرب الشيطان إلى النفوس، فالآية تحذرنا من هذه الفتنة، والحذر لا يكون بترك المال والأولاد، إنما الحذر ألا نطلب المال إلا من الحلال، وألا تدفعنا عاطفة الأبوة إلى الشطط ومجاوزة الحد.

                                                          وإنه يجب محاربة المتعة حتى لا تشتط بالإنسان بطلب متعة أبقى وأدوم وأهدى سبيلا، ولذا علمنا الله تعالى الإيمان بأن عند الله أجرا عظيما إذا قاومنا فتنة المال والولد، والمقاومة ليست بالحرمان كما أشرنا، ولكن بالحذر، وألا نتعدى حدود الله تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها ولذا قال تعالى: وأن الله عنده أجر عظيم وذلك أجر مقاومة الفتنة، والوقوف بالمحبة للمال والولد عند الحد الذي لا تكون معه خيانة، ولا تجانف لإثم.

                                                          وقد أكد الله تعالى أجر الله الذي يتكافأ مع مقاومة الخيانة بسبب متعة المال والولد أولا بالتعبير بالجملة الاسمية، وثانيا: بـ(أن) وثالثا: بتنكير أجر، فإن معنى هذا التنكير الكبر إلى درجة، ورابعا: بوصفه بأنه عظيم، وذلك لتحصين نفسه بهذا الأجر الذي لا يقارن قدره.

                                                          وإن تقوى الله تعالى هي السبيل لمقاومة الشر ، وجعل فارق بين يجعل النفس تلتزم الجادة، ولا تحيد عنها; ولذا قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم

                                                          يحصن الله تعالى نفس المؤمن؛ ليكون دائما بعيدا عن الخيانة، وقد حصنها بما أعد من أجر عظيم للمؤمنين الأمناء الذين شروا أنفسهم لله تعالى، وأعدها بتربية التقوى في النفس؛ حتى تكون في حال خوف من عذابه، كما ترجو ثوابه; لذلك ناداهم سبحانه وتعالى مبينا خواص التقوى، فذكر أنها تنير الطريق، فلا [ ص: 3109 ] تضل العقول، فيقول سبحانه:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية