الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( واصطنعتك لنفسي ( 41 ) اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري ( 42 ) اذهبا إلى فرعون إنه طغى ( 43 ) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ( 44 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : ( واصطنعتك لنفسي ) أي اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي ، يعني لتنصرف على إرادتي ومحبتي ، وذلك أن قيامه بأداء الرسالة [ تصرف على ] إرادة الله ومحبته .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي ، كأني الذي أقمت بك عليهم الحجة وخاطبتهم . ( اذهب أنت وأخوك بآياتي ) بدلائلي ، وقال ابن عباس : يعني الآيات التسع التي بعث بها موسى ( ولا تنيا ) لا تضعفا ، وقال السدي : لا تفترا . وقال محمد بن كعب : لا تقصرا ( في ذكري ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) قرأ أبو عمرو ، وأهل الحجاز : " لنفسي اذهب " ، و " ذكري اذهبا " ، و " إن قومي اتخذوا " ( الفرقان - 30 ) ، " من بعدي اسمه " ( الصف - 6 ) بفتح الياء فيهن ، ووافقهم أبو بكر : " من بعدي اسمه " ، وقرأ الباقون بإسكانها . ( فقولا له قولا لينا ) يقول : دارياه وارفقا معه ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا تعنفا في قولكما .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال السدي وعكرمة : كنياه فقولا يا أبا العباس ، وقيل : يا أبا الوليد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مقاتل : يعني القول اللين : " هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى " ( النازعات - 18 ، 19 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : أمر باللطافة في القول لما له من حق التربية . [ ص: 275 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وقال السدي : القول اللين : أن موسى أتاه ووعده على قبول الإيمان شبابا لا يهرم ، وملكا لا ينزع منه إلا بالموت ، وتبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته ، وإذا مات دخل الجنة ، فأعجبه ذلك وكان لا يقطع أمرا دون هامان ، وكان غائبا فلما قدم أخبره بالذي دعاه إليه موسى ، وقال أردت أن أقبل منه ، فقال له هامان : كنت أرى أن لك عقلا ورأيا ، أنت رب ، تريد أن تكون مربوبا؟ وأنت تعبد تريد أن تعبد؟ فقلبه عن رأيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وكان هارون يومئذ بمصر ، فأمر الله موسى أن يأتي هارون وأوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى ، فتلقاه إلى مرحلة ، وأخبره بما أوحي إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      ( لعله يتذكر أو يخشى ) أي : يتعظ ويخاف فيسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل : كيف قال : ( لعله يتذكر ) وقد سبق علمه أنه لا يتذكر ولا يسلم؟ .

                                                                                                                                                                                                                                      قيل : معناه اذهبا على رجاء منكما وطمع ، وقضاء الله وراء أمركما .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسين بن الفضل : هو ينصرف إلى غير فرعون ، مجازه : لعله يتذكر متذكر ، ويخشى خاش إذا رأى بري وألطافي بمن خلقته وأنعمت عليه ثم ادعى الربوبية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو بكر محمد بن عمر الوراق : " لعل " من الله واجب ولقد تذكر فرعون وخشي حين لم تنفعه الذكرى والخشية ، وذلك حين ألجمه الغرق ، قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، وأنا من المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ رجل عند يحيى بن معاذ هذه الآية : ( فقولا له قولا لينا ) فبكى يحيى ، وقال : إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإله ، فكيف رفقك بمن يقول أنت الإله ؟! .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية