الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ثني ]

                                                          ثني : ثنى الشيء ثنيا : رد بعضه على بعض ، وقد تثنى وانثنى . وأثناؤه ومثانيه : قواه وطاقاته ، واحدها ثني ومثناة ومثناة ; عن ثعلب . وأثناء الحية : مطاويها إذا تحوت . وثني الحية : انثناؤها ، وهو أيضا ما تعوج منها إذا تثنت ، والجمع أثناء ; واستعاره غيلان الربعي لليل فقال :


                                                          حتى إذا شق بهيم الظلماء وساق ليلا مرجحن الأثناء

                                                          وهو على القول الآخر اسم . وفي صفة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس بالطويل المتثني ; هو الذاهب طولا ، وأكثر ما يستعمل في طويل لا عرض له . وأثناء الوادي : معاطفه وأجراعه . والثني من الوادي والجبل : منقطعه . ومثاني الوادي ومحانيه : معاطفه . وتثنى في مشيته . والثني : واحد أثناء الشيء أي : تضاعيفه ; تقول : أنفذت كذا ثني كتابي أي : في طيه . وفي حديث عائشة تصف أباها - رضي الله عنهما - : فأخذ بطرفيه وربق لكم أثناءه ، أي : ما انثنى منه ، واحدها ثني ، وهي معاطف الثوب وتضاعيفه . وفي حديث أبي هريرة : كان يثنيه عليه أثناء من سعته ، يعني ثوبه . وثنيت الشيء ثنيا : عطفته . وثناه أي : كفه . ويقال : جاء ثانيا من عنانه . وثنيته أيضا : صرفته عن حاجته ، وكذلك إذا صرت له ثانيا . وثنيته تثنية أي : جعلته اثنين . وأثناء الوشاح : ما انثنى منه ; ومنه قوله :


                                                          تعرض أثناء الوشاح المفصل

                                                          وقوله :


                                                          فإن عد من مجد قديم لمعشر     فقومي بهم تثنى هناك الأصابع

                                                          يعني أنهم الخيار المعدودون ; عن ابن الأعرابي ; لأن الخيار لا يكثرون . وشاة ثانية بينة الثني : تثني عنقها لغير علة . وثنى رجله عن دابته : ضمها إلى فخذه فنزل ، ويقال للرجل إذا نزل عن دابته . الليث : إذا أراد الرجل وجها فصرفته عن وجهه قلت : ثنيته ثنيا . ويقال : فلان لا يثنى عن قرنه ، ولا عن وجهه ، قال : وإذا فعل الرجل أمرا ثم ضم إليه أمرا آخر قيل : ثنى بالأمر الثاني يثني تثنية . وفي حديث الدعاء : من قال عقيب الصلاة وهو ثان رجله أي : عاطف رجله في التشهد قبل أن ينهض ، وفي حديث آخر : من قال قبل أن يثني رجله ; قال ابن الأثير : وهذا ضد الأول في اللفظ ومثله في المعنى ; لأنه أراد قبل أن يصرف رجله عن حالتها التي هي عليها في التشهد . وفي التنزيل العزيز : ألا إنهم يثنون صدورهم ; قال الفراء : نزلت في بعض من كان يلقى النبي بما يحب وينطوي له على العداوة والبغض ، فذلك الثني الإخفاء ; وقال الزجاج : يثنون صدورهم أي : يسرون عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وقال غيره : يثنون صدورهم يجنون ويطوون ما فيها ويسترونه استخفاء من الله بذلك . وروي عن ابن عباس أنه قرأ : ألا إنهم تثنوني صدورهم ، قال : وهو في العربية تنثني ، وهو من الفعل افعوعلت . قال أبو منصور : وأصله من ثنيت الشيء إذا حنيته وعطفته وطويته . وانثنى أي : انعطف ، وكذلك اثنونى على افعوعل . واثنونى صدره على البغضاء أي : انحنى وانطوى . وكل شيء عطفته فقد ثنيته . قال : وسمعت أعرابيا يقول لراعي إبل أوردها الماء جملة فناداه : ألا واثن وجوهها عن الماء ، ثم أرسل منها رسلا رسلا أي قطيعا ، وأراد بقوله : اثن وجوهها أي اصرف وجوهها عن الماء كيلا تزدحم على الحوض فتهدمه . ويقال للفارس إذا ثنى عنق دابته عند شدة حضره : جاء ثاني العنان . ويقال للفرس نفسه : جاء سابقا ثانيا إذا جاء وقد ثنى عنقه نشاطا ; لأنه إذا أعيا مد عنقه ، وإذا لم يعي ولم يجهد وجاء سيره عفوا غير مجهود ثنى عنقه ; ومنه قوله :


                                                          ومن يفخر بمثل أبي وجدي     يجيء قبل السوابق وهو ثاني

                                                          أي : يجيء كالفرس السابق الذي قد ثنى عنقه ، ويجوز أن يجعله كالفارس الذي سبق فرسه الخيل ، وهو مع ذلك قد ثنى من عنقه . والاثنان : ضعف الواحد . فأما قوله تعالى : وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين ، فمن التطوع المشام للتوكيد ، وذلك أنه قد غني بقوله : إلهين عن اثنين ، وإنما فائدته التوكيد والتشديد ; ونظيره قوله تعالى : ومناة الثالثة الأخرى ، أكد بقوله : الأخرى ، وقوله تعالى : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ، فقد علم بقوله : نفخة ، أنها واحدة ، فأكد بقوله : واحدة . والمؤنث الثنتان ، تاؤه مبدلة من ياء ، ويدل على أنه من الياء أنه من ثنيت ; لأن الاثنين قد ثني أحدهما إلى صاحبه ، وأصله ثني ، يدلك على ذلك جمعهم إياه على أثناء بمنزلة أبناء وآخاء ، فنقلوه من فعل إلى فعل كما فعلوا ذلك في بنت ، وليس في الكلام تاء مبدلة من الياء [ ص: 46 ] في غير افتعل إلا ما حكاه سيبويه من قولهم : أسنتوا ، وما حكاه أبو علي من قولهم : ثنتان ، وقوله تعالى : فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان ; إنما الفائدة في قوله : اثنتين ، بعد قوله : كانتا ، تجردهما من معنى الصغر والكبر ، وإلا فقد علم أن الألف في كانتا وغيرها من الأفعال علامة التثنية . ويقال : فلان ثاني اثنين أي : هو أحدهما ، مضاف ، ولا يقال هو ثان اثنين بالتنوين ، وقد تقدم مشبعا في ترجمة ثلث . وقولهم : هذا ثاني اثنين أي : هو أحد اثنين ، وكذلك ثالث ثلاثة مضاف إلى العشرة ولا ينون ، فإن اختلفا فأنت بالخيار ، إن شئت أضفت وإن شئت نونت ، وقلت : هذا ثاني واحد ، وثان واحدا ، المعنى هذا ثنى واحدا ، وكذلك ثالث اثنين ، وثالث اثنين ، والعدد منصوب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر في الرفع والنصب والخفض إلا اثني عشر ; فإنك تعربه على هجاءين . قال ابن بري عند قول الجوهري : والعدد منصوب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر ، قال : صوابه أن يقول : والعدد مفتوح ، قال : وتقول للمؤنث اثنتان ، وإن شئت ثنتان ; لأن الألف إنما اجتلبت لسكون الثاء فلما تحركت سقطت . ولو سمي رجل باثنين أو باثني عشر لقلت في النسبة إليه ثنوي في قول من قال في ابن بنوي ، واثني في قول من قال ابني ; وأما قول الشاعر :


                                                          كأن خصييه من التدلدل     ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل

                                                          أراد أن يقول : فيه حنظلتان ، فأخرج الاثنين مخرج سائر الأعداد للضرورة وأضافه إلى ما بعده ، وأراد ثنتان من حنظل كما يقال ثلاثة دراهم وأربعة دراهم ، وكان حقه في الأصل أن يقول اثنا دراهم ، واثنتا نسوة ، إلا أنهم اقتصروا بقولهم درهمان وامرأتان عن إضافتهما إلى ما بعدهما . وروى شمر بإسناد له يبلغ عوف بن مالك أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإمارة ، فقال : أولها ملامة ، وثناؤها ندامة ، وثلاثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل ; قال شمر : ثناؤها أي : ثانيها وثلاثها أي : ثالثها . قال : وأما ثناء وثلاث فمصروفان عن ثلاثة ثلاثة واثنين اثنين ، وكذلك رباع ومثنى ; وأنشد [ صخر بن عمرو بن الشريد السلمي ] :


                                                          ولقد قتلتكم ثناء وموحدا     وتركت مرة مثل أمس الدابر

                                                          وقال آخر :


                                                          أحاد ومثنى أصعقتها صواهله

                                                          الليث : اثنان اسمان لا يفردان قرينان ، لا يقال لأحدهما : اثن كما أن الثلاثة أسماء مقترنة لا تفرق ، ويقال في التأنيث اثنتان ولا يفردان ، والألف في اثنين ألف وصل ، وربما قالوا اثنتان كما قالوا هي ابنة فلان ، وهي بنته ، والألف في الابنة ألف وصل لا تظهر في اللفظ ، والأصل فيهما ثني ، والألف في اثنتين ألف وصل أيضا ، فإذا كانت هذه الألف مقطوعة في الشعر فهو شاذ ، كما قال قيس بن الخطيم :


                                                          إذا جاوز الاثنين سر فإنه     بنث وتكثير الوشاة قمين

                                                          غيره : واثنان من عدد المذكر ، واثنتان للمؤنث ، وفي المؤنث لغة أخرى ثنتان بحذف الألف ، ولو جاز أن يفرد لكان واحده اثن مثل ابن وابنة ، وألفه ألف وصل ، وقد قطعها الشاعر على التوهم فقال :


                                                          ألا لا أرى إثنين أحسن شيمة     على حدثان الدهر مني ومن جمل

                                                          والثني : ضم واحد إلى واحد ، والثني الاسم ، ويقال : ثني الثوب لما كف من أطرافه ، وأصل الثني الكف . وثنى الشيء : جعله اثنين ، واثنى افتعل منه ، أصله اثتنى فقلبت الثاء تاء ; لأن التاء آخت الثاء في الهمس ، ثم أدغمت فيها ; قال :


                                                          بدا بأبي ثم اتنى بأبي أبي     وثلث بالأدنين ثقف المحالب

                                                          هذا هو المشهور في الاستعمال ، والقوي في القياس ، ومنهم من يقلب تاء افتعل ثاء فيجعلها من لفظ الفاء قبلها ، فيقول اثنى واثرد واثأر كما قال بعضهم في ادكر اذكر وفي اصطلحوا اصلحوا . وهذا ثاني هذا أي : الذي شفعه . ولا يقال : ثنيته إلا أن أبا زيد قال : هو واحد فاثنه أي : كن له ثانيا . وحكى ابن الأعرابي أيضا : فلان لا يثني ولا يثلث أي : هو رجل كبير فإذا أراد النهوض لم يقدر في مرة ولا مرتين ولا في الثالثة . وشربت اثنا القدح ، وشربت اثني هذا القدح أي : اثنين مثله ، وكذلك شربت اثني مد البصرة ، واثنين بمده البصرة . وثنيت الشيء : جعلته اثنين . وجاء القوم مثنى مثنى أي : اثنين اثنين . وجاء القوم مثنى وثلاث غير مصروفات لما تقدم في ( ث - ل - ث ) ، وكذلك النسوة ، وسائر الأنواع أي : اثنين اثنين ، وثنتين ثنتين . وفي حديث الصلاة : صلاة الليل مثنى مثنى أي : ركعتان ركعتان بتشهد وتسليم ، فهي ثنائية لا رباعية . ومثنى : معدول من اثنين اثنين ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          فما حلبت إلا الثلاثة والثنى     ولا قيلت إلا قريبا مقالها

                                                          قال : أراد بالثلاثة الثلاثة من الآنية ، وبالثنى الاثنين ; وقول كثير عزة :


                                                          ذكرت عطاياه وليست بحجة     عليك ولكن حجة لك فاثنني

                                                          قيل في تفسيره : أعطني مرة ثانية ولم أره في غير هذا الشعر . والاثنان : من أيام الأسبوع ; لأن الأول عندهم الأحد والجمع أثناء ، وحكى مطرز عن ثعلب أثانين ، ويوم الاثنين لا يثنى ولا يجمع ; لأنه مثنى ، فإن أحببت أن تجمعه كأنه صفة الواحد ، وفي نسخة كأن لفظه مبني للواحد ، قلت أثانين ، قال ابن بري : أثانين ليس بمسموع ، وإنما هو من قول الفراء وقياسه ، قال : وهو بعيد في القياس ; قال : والمسموع في جمع الاثنين أثناء على ما حكاه سيبويه ، قال : وحكى السيرافي وغيره عن العرب أن فلانا ليصوم الأثناء ، وبعضهم يقول : ليصوم الثني على فعول مثل ثدي ; وحكى سيبويه عن بعض العرب : اليوم الثنى ، قال : وأما قولهم اليوم الاثنان ، فإنما هو اسم اليوم ، وإنما أوقعته العرب على قولك اليوم يومان ، واليوم خمسة عشر من الشهر ، ولا يثنى ، والذين قالوا : اثني جعلوا به على الاثن ، وإن لم يتكلم به ، وهو بمنزلة الثلاثاء والأربعاء يعني أنه صار اسما غالبا ; قال اللحياني : وقد [ ص: 47 ] قالوا في الشعر يوم اثنين بغير لام ; وأنشد لأبي صخر الهذلي :


                                                          أرائح أنت يوم اثنين أم غادي     ولم تسلم على ريحانة الوادي

                                                          يقال : وكان أبو زياد يقول : مضى الاثنان بما فيه ، فيوحد ويذكر ، وكذا يفعل في سائر أيام الأسبوع كلها ، وكان يؤنث الجمعة ، وكان أبو الجراح يقول : مضى السبت بما فيه ، ومضى الأحد بما فيه ، ومضى الاثنان بما فيهما ، ومضى الثلاثاء بما فيهن ، ومضى الأربعاء بما فيهن ، ومضى الخميس بما فيهن ، ومضت الجمعة بما فيها ، كان يخرجها مخرج العدد ; قال ابن جني : اللام في الاثنين غير زائدة ، وإن لم تكن الاثنان صفة ; قال أبو العباس : إنما أجازوا دخول اللام عليه ; لأن فيه تقدير الوصف ، ألا ترى أن معناه اليوم الثاني ؟ وكذلك أيضا اللام في الأحد والثلاثاء والأربعاء ونحوها ; لأن تقديرها الواحد والثاني والثالث والرابع والخامس والجامع والسابت ، والسبت القطع ، وقيل : إنما سمي بذلك ; لأن الله - عز وجل - خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، أولها الأحد وآخرها الجمعة ، فأصبحت يوم السبت منسبتة أي : قد تمت وانقطع العمل فيها ، وقيل : سمي بذلك ; لأن اليهود كانوا ينقطعون فيه عن تصرفهم ، ففي كلا القولين معنى الصفة موجود . وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي : لا تكن اثنويا أي : ممن يصوم الاثنين وحده . وقوله - عز وجل - : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ; المثاني من القرآن : ما ثني مرة بعد مرة ، وقيل : فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات ، قيل لها مثان ; لأنها يثنى بها في كل ركعة من ركعات الصلاة ، وتعاد في كل ركعة ; قال أبو الهيثم : سميت آيات الحمد مثاني ، واحدتها مثناة ، وهي سبع آيات ; وقال ثعلب : لأنها تثنى مع كل سورة ; قال الشاعر :


                                                          الحمد لله الذي عافاني     وكل خير صالح أعطاني
                                                          رب مثاني الآي والقرآن

                                                          وورد في الحديث في ذكر الفاتحة : هي السبع المثاني ، وقيل : المثاني سور أولها البقرة وآخرها براءة ، وقيل : ما كان دون المئين ; قال ابن بري : كأن المئين جعلت مبادي والتي تليها مثاني ، وقيل : هي القرآن كله ; ويدل على ذلك قول حسان بن ثابت :


                                                          من للقوافي بعد حسان وابنه     ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت

                                                          قال : ويجوز أن يكون - والله أعلم - من المثاني مما أثني به على الله تبارك وتقدس ; لأن فيها حمد الله وتوحيده وذكر ملكه يوم الدين ، المعنى : ولقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يثنى بها على الله - عز وجل - وآتيناك القرآن العظيم ; وقال الفراء في قوله - عز وجل - : الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ; أي مكررا ، أي : كرر فيه الثواب والعقاب ; وقال أبو عبيد : المثاني من كتاب الله ثلاثة أشياء ، سمى الله - عز وجل - القرآن كله مثاني في قوله عز وجل : الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ; وسمى فاتحة الكتاب مثاني في قوله عز وجل : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ، قال : وسمي القرآن مثاني ; لأن الأنباء والقصص ثنيت فيه ، ويسمى جميع القرآن مثاني أيضا لاقتران آية الرحمة بآية العذاب . قال الأزهري : قرأت بخط شمر قال : روى محمد بن طلحة بن مصرف عن أصحاب عبد الله أن المثاني ست وعشرون سورة ، وهي : سورة الحج ، والقصص ، والنمل ، والنور ، والأنفال ، ومريم ، والعنكبوت ، والروم ، ويس ، والفرقان ، والحجر ، والرعد ، وسبأ ، والملائكة ، وإبراهيم ، وص ، ومحمد ، ولقمان ، والغرف ، والمؤمن ، والزخرف ، والسجدة ، والأحقاف ، والجاثية ، والدخان ، فهذه هي المثاني عند أصحاب عبد الله ، وهكذا وجدتها في النسخ التي نقلت منها خمسا وعشرين ، والظاهر أن السادسة والعشرين هي سورة الفاتحة ، فإما أن أسقطها النساخ ، وإما أن يكون غني عن ذكرها بما قدمه من ذلك ، وإما أن يكون غير ذلك ; وقال أبو الهيثم : المثاني من سور القرآن كل سورة دون الطول ودون المئين ، وفوق المفصل; روي ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عن ابن مسعود ، وعثمان ، وابن عباس ، قال : والمفصل يلي المثاني ، والمثاني ما دون المئين ، وإنما قيل لما ولي المئين من السور مثان ; لأن المئين كأنها مباد وهذه مثان ، وأما قول عبد الله بن عمرو : من أشراط الساعة أن توضع الأخيار وترفع الأشرار ، وأن يقرأ فيهم بالمثناة على رءوس الناس ليس أحد يغيرها ، قيل : وما المثناة ؟ قال : ما استكتب من غير كتاب الله ، كأنه جعل ما استكتب من كتاب الله مبدأ ، وهذا مثنى ، قال أبو عبيدة : سألت رجلا من أهل العلم بالكتب الأول قد عرفها وقرأها عن المثناة ، فقال : إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل من بعد موسى وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله فهو المثناة ; قال أبو عبيد : وإنما كره عبد الله الأخذ عن أهل الكتاب ، وقد كانت عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك منهم ، فأظنه قال هذا لمعرفته بما فيها ، ولم يرد النهي عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته ، وكيف ينهى عن ذلك وهو من أكثر الصحابة حديثا عنه ؟ وفي الصحاح في تفسير المثناة قال : هي التي تسمى بالفارسية دوبيني ، وهو الغناء ، قال : و أبو عبيدة يذهب في تأويله إلى غير هذا . والمثاني من أوتار العود : الذي بعد الأول ، واحدها مثنى . اللحياني : التثنية أن يفوز قدح رجل منهم فينجو ويغنم ، فيطلب إليهم أن يعيدوه على خطار ، والأول أقيس وأقرب إلى الاشتقاق ، وقيل : هو ما استكتب من غير كتاب الله . ومثنى الأيادي : أن يعيد معروفه مرتين أو ثلاثا ، وقيل : هو أن يأخذ القسم مرة بعد مرة ، وقيل : هو الأنصباء التي كانت تفضل من الجزور ، وفي التهذيب : من جزور الميسر ، فكان الرجل الجواد يشريها فيطعمها الأبرام ، وهم الذين لا ييسرون ; هذا قول أبي عبيد . وقال أبو عمرو : مثنى الأيادي أن يأخذ القسم مرة بعد مرة ; قال النابغة :


                                                          ينبيك ذو عرضهم عني وعالمهم     وليس جاهل أمرا مثل من علما
                                                          إني أتمم أيساري وأمنحهم [ ص: 48 ]     مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما

                                                          والمثنى : زمام الناقة ; قال الشاعر :


                                                          تلاعب مثنى حضرمي كأنه     تعمج شيطان بذي خروع قفر

                                                          والثني من النوق : التي وضعت بطنين ، وثنيها ولدها ، وكذلك المرأة ، ولا يقال ثلث ولا فوق ذلك . وناقة ثني إذا ولدت اثنين ، وفي التهذيب : إذا ولدت بطنين ، وقيل : إذا ولدت بطنا واحدا ، والأول أقيس ، وجمعها ثناء ، عن سيبويه ، جعله كظئر وظؤار ; واستعاره لبيد للمرأة فقال :


                                                          ليالي تحت الخدر ثني مصيفة     من الأدم ترتاد الشروج القوابلا

                                                          والجمع أثناء ; قال :


                                                          قام إلى حمراء من أثنائها

                                                          قال أبو رياش : ولا يقال بعد هذا شيء مشتقا ; التهذيب : وولدها الثاني ثنيها ; قال أبو منصور : والذي سمعته من العرب يقولون للناقة إذا ولدت أول ولد تلده فهي بكر ، وولدها أيضا بكرها ، فإذا ولدت الولد الثاني فهي ثني ، وولدها الثاني ثنيها ، قال : وهذا هو الصحيح . وقال في شرح بيت لبيد : قال أبو الهيثم : المصيفة التي تلد ولدا وقد أسنت ، والرجل كذلك مصيف وولده صيفي ، وأربع الرجل وولده ربعيون . والثواني : القرون التي بعد الأوائل . والثنى - بالكسر - والقصر : الأمر يعاد مرتين وأن يفعل الشيء مرتين . قال ابن بري : ويقال : ثنى وثنى ، وطوى وطوى ، وقوم عدا وعدا ، ومكان سوى وسوى . والثنى في الصدقة : أن تؤخذ في العام مرتين . ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا ثنى في الصدقة ، مقصور ، يعني لا تؤخذ الصدقة في السنة مرتين ; وقال الأصمعي و الكسائي ; وأنشد أحدهما لكعب بن زهير ، وكانت امرأته لامته في بكر نحره :


                                                          أفي جنب بكر قطعتني ملامة     لعمري لقد كانت ملامتها ثنى

                                                          أي ليس بأول لومها فقد فعلته قبل هذا ، وهذا ثنى بعده ; قال ابن بري : ومثله قول عدي بن زيد :


                                                          أعاذل إن اللوم في غير كنهه     علي ثنى من غيك المتردد

                                                          قال أبو سعيد : لسنا ننكر أن الثنى إعادة الشيء مرة بعد مرة ، ولكنه ليس وجه الكلام ، ولا معنى الحديث ، ومعناه أن يتصدق الرجل على آخر بصدقة ثم يبدو له فيريد أن يستردها ، فيقال لا ثنى في الصدقة أي : لا رجوع فيها ، فيقول المتصدق بها عليه ليس لك علي عصرة الوالد أي : ليس لك رجوع كرجوع الوالد فيما يعطي ولده ; قال ابن الأثير : وقوله في الصدقة أي : في أخذ الصدقة ، فحذف المضاف ، قال : ويجوز أن تكون الصدقة بمعنى التصديق ، وهو أخذ الصدقة كالزكاة والذكاة بمعنى التزكية والتذكية ، فلا يحتاج إلى حذف مضاف . والثنى : هو أن تؤخذ ناقتان في الصدقة مكان واحدة . والمثناة والمثناة : حبل من صوف أو شعر ، وقيل : هو الحبل من أي شيء كان . وقال ابن الأعرابي : المثناة - بالفتح - الحبل . الجوهري : الثناية حبل من شعر أو صوف ; قال الراجز :


                                                          أنا سحيم ومعي مدرايه     أعددتها لفتك ذي الدوايه
                                                          والحجر الأخشن والثنايه

                                                          قال : وأما الثناء - ممدود - فعقال البعير ونحو ذلك من حبل مثني . وكل واحد من ثنييه فهو ثناء لو أفرد ; قال ابن بري : إنما لم يفرد له واحد ; لأنه حبل واحد تشد بأحد طرفيه اليد وبالطرف الآخر الأخرى ، فهما كالواحد . وعقلت البعير بثنايين - غير مهموز - لأنه لا واحد له إذا عقلت يديه جميعا بحبل أو بطرفي حبل ، وإنما لم يهمز ; لأنه لفظ جاء مثنى لا يفرد واحده فيقال ثناء ، فتركت الياء على الأصل كما قالوا في مذروين ; لأن أصل الهمزة في ثناء لو أفرد ياء ; لأنه من ثنيت ، ولو أفرد واحده لقيل ثناءان ، كما تقول كساءان ورداءان . وفي حديث عمرو بن دينار قال : رأيت ابن عمر ينحر بدنته ، وهي باركة مثنية بثنايين ، يعني معقولة بعقالين ، ويسمى ذلك الحبل الثناية ; قال ابن الأثير : وإنما لم يقولوا ثناءين - بالهمز - حملا على نظائره ; لأنه حبل واحد يشد بأحد طرفيه يد ، وبطرفه الثاني أخرى ، فهما كالواحد ، وإن جاء بلفظ اثنين فلا يفرد له واحد ; قال سيبويه : سألت الخليل عن الثنايين فقال : هو بمنزلة النهاية ; لأن الزيادة في آخره لا تفارقه ، فأشبهت الهاء ، ومن ثم قالوا مذروان ، فجاءوا به على الأصل ; لأن الزيادة فيه لا تفارقه . قال سيبويه : وسألت الخليل - رحمه الله - عن قولهم : عقلته بثنايين وهنايين لم لم يهمزوا ؟ فقال : تركوا ذلك حيث لم يفرد الواحد . وقال ابن جني : لو كانت ياء التثنية إعرابا أو دليل إعراب لوجب أن تقلب الياء التي بعد الألف همزة فيقال : عقلته بثناءين ، وذلك لأنها ياء وقعت طرفا بعد ألف زائدة ، فجرى مجرى ياء رداء ورماء وظباء . وعقلته بثنتين إذا عقلت يدا واحدة بعقدتين . الأصمعي : يقال عقلت البعير بثنايين ، يظهرون الياء بعد الألف وهي المدة التي كانت فيها ، ولو مد ماد لكان صوابا كقولك كساء وكساوان وكساءان . قال : وواحد الثنايين ثناء مثل كساء - ممدود - . قال أبو منصور : أغفل الليث العلة في الثنايين وأجاز ما لم يجزه النحويون ; قال أبو منصور عند قول الخليل تركوا الهمزة في الثنايين حيث لم يفردوا الواحد ، قال : هذا خلاف ما ذكره الليث في كتابه ; لأنه أجاز أن يقال لواحد الثنايين ثناء ، والخليل يقول لم يهمزوا الثنايين ; لأنهم لا يفردون الواحد منهما ، وروى هذا شمر لسيبويه . وقال شمر : قال أبو زيد يقال : عقلت البعير بثنايين إذا عقلت يديه بطرفي حبل ، قال : وعقلته بثنيين إذا عقله يدا واحدة بعقدتين . قال شمر : وقال الفراء لم يهمزوا ثنايين ; لأن واحده لا يفرد ; قال أبو منصور : والبصريون والكوفيون اتفقوا على ترك الهمز في الثنايين وعلى ألا يفردوا الواحد . قال أبو منصور : والحبل يقال له الثناية ، قال : وإنما قالوا ثنايين ولم يقولوا ثنايتين ; لأنه حبل واحد يشد بأحد طرفيه يد البعير [ ص: 49 ] وبالطرف الآخر اليد الأخرى ، فيقال : ثنيت البعير بثنايين كأن الثنايين كالواحد وإن جاء بلفظ اثنين ولا يفرد له واحد ، ومثله المذروان طرفا الأليتين ، جعل واحدا ، ولو كانا اثنين لقيل : مذريان ، وأما العقال الواحد فإنه لا يقال له : ثناية ، وإنما الثناية الحبل الطويل ، ومنه قول زهير يصف السانية وشد قتبها عليها :


                                                          تمطو الرشاء فتجري في ثنايتها     من المحالة ثقبا رائدا قلقا

                                                          والثناية هاهنا : حبل يشد طرفاه في قتب السانية ، ويشد طرف الرشاء في مثناته ، وكذلك الحبل إذا عقل بطرفيه يد البعير ثناية أيضا . وقال ابن السكيت : في ثنايتها أي : في حبلها ، معناه وعليها ثنايتها . وقال أبو سعيد : الثناية عود يجمع به طرفا الميلين من فوق المحالة ومن تحتها أخرى مثلها ، قال : والمحالة والبكرة تدور بين الثنايتين . وثنيا الحبل : طرفاه ، واحدهما ثني . وثني الحبل ما ثنيت ، وقال طرفة :


                                                          لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى     لكالطول المرخى وثنياه في اليد

                                                          يعني الفتى لا بد له من الموت وإن أنسأ في أجله ، كما أن الدابة وإن طول له طوله وأرخي له فيه حتى يرود في مرتعه ويجيء ويذهب فإنه غير منفلت لإحراز طرف الطول إياه ، وأراد بثنييه الطرف المثني في رسغه ، فلما انثنى جعله ثنيين ; لأنه عقد بعقدتين ، وقيل في تفسير قول طرفة : يقول إن الموت ، وإن أخطأ الفتى ، فإن مصيره إليه كما أن الفرس ، وإن أرخي له طوله ، فإن مصيره إلى أن يثنيه صاحبه إذ طرفه بيده . ويقال : ربق فلان أثناء الحبل إذا جعل وسطه أرباقا أي : نشقا للشاء ينشق في أعناق البهم . والثنى من الرجال : بعد السيد ، وهو الثنيان ; قال أوس بن مغراء :


                                                          ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم     وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا

                                                          ورواه الترمذي : ثنياننا إن أتاهم ; يقول : الثاني منا في الرياسة يكون في غيرنا سابقا في السودد ، والكامل في السودد من غيرنا ثنى في السودد عندنا لفضلنا على غيرنا . والثنيان - بالضم - : الذي يكون دون السيد في المرتبة ، والجمع ثنية ; قال الأعشى :


                                                          طويل اليدين رهطه غير ثنية     أشم كريم جاره لا يرهق

                                                          وفلان ثنية أهل بيته أي : أرذلهم . أبو عبيد : يقال للذي يجيء ثانيا في السودد ولا يجيء أولا ثنى - مقصور - وثنيان وثني ، كل ذلك يقال . وفي حديث الحديبية : يكون لهم بدء الفجور وثناه أي : أوله وآخره . والثنية : واحدة الثنايا من السن . المحكم : الثنية من الأضراس أول ما في الفم . غيره : وثنايا الإنسان في فمه الأربع التي في مقدم فيه . ثنتان من فوق ، وثنتان من أسفل . ابن سيده : وللإنسان والخف والسبع ثنيتان من فوق وثنيتان من أسفل . والثني من الإبل : الذي يلقي ثنيته ، وذلك في السادسة ، ومن الغنم الداخل في السنة الثالثة ، تيسا كان أو كبشا . التهذيب : البعير إذا استكمل الخامسة ، وطعن السادسة ، فهو ثني ، وهو أدنى ما يجوز من سن الإبل في الأضاحي ، وكذلك من البقر والمعزى ، فأما الضأن فيجوز منها الجذع في الأضاحي ، وإنما سمي البعير ثنيا ; لأنه ألقى ثنيته . الجوهري : الثني الذي يلقي ثنيته ، ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة ، وفي الخف في السنة السادسة . وقيل لابنة الخس : هل يلقح الثني ؟ فقالت : وإلقاحه أني أي : بطيء ، والأنثى ثنية ، والجمع ثنيات ، والجمع من ذلك كله ثناء ، وثناء وثنيان . وحكى سيبويه ثن . قال ابن الأعرابي : ليس قبل الثني اسم يسمى ولا بعد البازل اسم يسمى . وأثنى البعير : صار ثنيا ، وقيل : كل ما سقطت ثنيته من غير الإنسان ثني ، والظبي ثني بعد الإجذاع ، ولا يزال كذلك حتى يموت . وأثنى أي : ألقى ثنيته . وفي حديث الأضحية : أنه أمر بالثنية من المعز ; قال ابن الأثير : الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ، ومن البقر كذلك ، ومن الإبل في السادسة ، والذكر ثني ، وعلى مذهب أحمد بن حنبل ما دخل من المعز في الثانية ، ومن البقر في الثالثة . ابن الأعرابي : في الفرس إذا استتم الثالثة ودخل في الرابعة ثني ، فإذا أثنى ألقى رواضعه ، فيقال أثنى وأدرم للإثناء ، قال : وإذا أثنى سقطت رواضعه ، ونبت مكانها سن ، فنبات تلك السن هو الإثناء ، ثم يسقط الذي يليه عند إرباعه . والثني من الغنم : الذي استكمل الثانية ودخل في الثالثة ، ثم ثني في السنة الثالثة مثل الشاة سواء . والثنية : طريق العقبة ، ومنه قولهم : فلان طلاع الثنايا إذا كان ساميا لمعالي الأمور كما يقال طلاع أنجد ، والثنية : الطريقة في الجبل كالنقب ، وقيل : هي العقبة ، وقيل : هي الجبل نفسه . ومثاني الدابة : ركبتاه ومرفقاه ; قال امرؤ القيس :


                                                          ويخدي على صم صلاب ملاطس     شديدات عقد لينات مثاني

                                                          أي ليست بجاسية . أبو عمرو : الثنايا العقاب . قال أبو منصور : والعقاب جبال طوال بعرض الطريق ، فالطريق تأخذ فيها ، وكل عقبة مسلوكة ثنية ، وجمعها ثنايا ، وهي المدارج أيضا ، ومنه قول عبد الله ذي البجادين المزني :


                                                          تعرضي مدارجا وسومي     تعرض الجوزاء للنجوم

                                                          يخاطب ناقة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان دليله بركوبه ، والتعرض فيها : أن يتيامن الساند فيها مرة ويتياسر أخرى ; ليكون أيسر عليه . وفي الحديث : من يصعد ثنية المرار حط عنه ما حط عن بني إسرائيل ; الثنية في الجبل : كالعقبة فيه ، وقيل : هي الطريق العالي فيه ، وقيل : أعلى المسيل في رأسه ، والمرار - بالضم - : موضع بين مكة والمدينة من طريق الحديبية ، وبعضهم يقوله - بالفتح - ، وإنما حثهم على صعودها ; لأنها عقبة شاقة ، وصلوا إليها ليلا حين أرادوا مكة سنة الحديبية ، فرغبهم في صعودها ، والذي حط عن بني إسرائيل هو ذنوبهم من قوله تعالى : وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ; وفي خطبة الحجاج :


                                                          أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

                                                          هي جمع ثنية ، أراد أنه جلد يرتكب الأمور العظام . [ ص: 50 ] والثناء : ما تصف به الإنسان من مدح أو ذم ، وخص بعضهم به المدح ، وقد أثنيت عليه ; وقول أبي المثلم الهذلي :


                                                          يا صخر أو كنت تثني أن سيفك مش     قوق الخشيبة لا ناب ولا عصل

                                                          معناه تمتدح وتفتخر فحذف وأوصل . ويقال للرجل الذي يبدأ بذكره في مسعاة أو محمدة أو علم : فلان به تثنى الخناصر ، أي : تحنى في أول من يعد ، ويذكر وأثنى عليه خيرا ، والاسم الثناء . المظفر : الثناء - ممدود - تعمدك لتثني على إنسان بحسن أو قبيح . وقد طار ثناء فلان أي : ذهب في الناس ، والفعل أثنى فلان على الله تعالى ثم على المخلوق يثني إثناء أو ثناء يستعمل في القبيح من الذكر في المخلوقين وضده . ابن الأعرابي : يقال : أثنى إذا قال خيرا أو شرا ، وأنثنى إذا اغتاب . وثناء الدار : فناؤها . قال ابن جني : ثناء الدار وفناؤها أصلان ; لأن الثناء من ثنى يثني ; لأن هناك تنثني عن الانبساط لمجيء آخرها ، واستقصاء حدودها ، وفناؤها ، من فني يفنى ; لأنك إذا تناهيت إلى أقصى حدودها فنيت . قال ابن سيده : فإن قلت : هلا جعلت إجماعهم على أفنية - بالفاء - دلالة على أن الثاء في ثناء بدل من فاء فناء ، كما زعمت أن فاء جدف بدل من ثاء جدث ; لإجماعهم على أجداث بالثاء ، فالفرق بينهما وجودنا لثناء من الاشتقاق ما وجدناه لفناء ، ألا ترى أن الفعل يتصرف منهما جميعا ؟ ولسنا نعلم لجدف بالفاء تصرف جدث ; فلذلك قضينا بأن الفاء بدل من الثاء ، وجعله أبو عبيد في المبدل . واستثنيت الشيء من الشيء : حاشيته . والثنية : ما استثني . وروي عن كعب أنه قال : الشهداء ثنية الله في الأرض ، يعني من استثناه من الصعقة الأولى ، تأول قول الله تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ; فالذين استثناهم الله عند كعب من الصعق الشهداء ; لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ، فإذا نفخ في الصور وصعق الخلق عند النفخة الأولى لم يصعقوا ، فكأنهم مستثنون من الصعقين ، وهذا معنى كلام كعب ، وهذا الحديث يرويه إبراهيم النخعي أيضا . والثنية : النخلة المستثناة من المساومة . وحلفة غير ذات مثنوية أي : غير محللة . يقال : حلف فلان يمينا ليس فيها ثنيا ولا ثنوى ولا ثنية ولا مثنوية ولا استثناء ، كله واحد ، وأصل هذا كله من الثني والكف والرد ; لأن الحالف إذا قال : والله لا أفعل كذا وكذا إلا أن يشاء الله غيره ، فقد رد ما قاله بمشيئة الله غيره . والثنوة : الاستثناء . والثنيان - بالضم - : الاسم من الاستثناء ، وكذلك الثنوى - بالفتح - . والثنيا والثنوى : ما استثنيته ، قلبت ياؤه واوا للتصريف وتعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها ، والفرق أيضا بين الاسم والصفة . والثنيا المنهي عنها في البيع : أن يستثنى منه شيء مجهول فيفسد البيع ، وذلك إذا باع جزورا بثمن معلوم واستثنى رأسه وأطرافه ، فإن البيع فاسد . وفي الحديث : نهى عن الثنيا إلا أن تعلم ; قال ابن الأثير : هي أن يستثنى في عقد البيع شيء مجهول فيفسده ، وقيل : هو أن يباع شيء جزافا فلا يجوز أن يستثنى منه شيء قل أو كثر ، قال : وتكون الثنيا في المزارعة أن يستثنى بعد النصف أو الثلث كيل معلوم . وفي الحديث : من أعتق أو طلق ثم استثنى فله ثنياء أي : من شرط في ذلك شرطا أو علقه على شيء فله ما شرط أو استثنى ، منه مثل أن يقول : طلقتها ثلاثا إلا واحدة أو أعتقتهم إلا فلانا ، والثنيا من الجزور : الرأس والقوائم ، سميت ثنيا ; لأن البائع في الجاهلية كان يستثنيها إذا باع الجزور فسميت للاستثناء الثنيا . وفي الحديث : كان لرجل ناقة نجيبة فمرضت فباعها من رجل واشترط ثنياها ; أراد قوائمها ورأسها ; وناقة مذكرة الثنيا ; وقوله أنشده ثعلب :


                                                          مذكرة الثنيا مساندة القرى     جمالية تختب ثم تنيب

                                                          فسره فقال : يصف الناقة أنها غليظة القوائم كأنها قوائم الجمل لغلظها . مذكرة الثنيا : يعني أن رأسها وقوائمها تشبه خلق الذكارة ، لم يزد على هذا شيئا . والثنية : كالثنيا . ومضى ثني من الليل أي : ساعة ; حكي عن ثعلب والثنون : الجمع العظيم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية