الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: كيف وإن يظهروا عليكم قال الزجاج : المعنى: كيف يكون لهم عهد وأن يظهروا عليكم ، فحذف ذلك ، لأنه قد سبق ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      وخبرتماني أنما الموت بالقرى فكيف وهذي هضبة وقليب



                                                                                                                                                                                                                                      أي: فكيف مات وليس بقرية؟ ومثله قول الحطيئة:


                                                                                                                                                                                                                                      فكيف ولم أعلمهم خذلوكم     على معظم ولا أديمكم قدوا



                                                                                                                                                                                                                                      أي: فكيف تلومونني على مدح قوم؟ واستغني عن ذكر ذلك ، لأنه قد جرى في القصيدة ما يدل على ما أضمر . وقوله: يظهروا يعني: يقدروا ويظفروا .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: لا يرقبوا ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: لا يحفظوا . والثاني: لا يخافوا ، قاله السدي . والثالث: لا يراعوا ، قاله قطرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الإل خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 402 ] أحدها: أنه القرابة ، رواه جماعة عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك ، والسدي ، ومقاتل ، والفراء ، وأنشدوا:


                                                                                                                                                                                                                                      إن الوشاة كثير إن أطعتهم     لا يرقبون بنا إلا ولا ذمما



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      لعمرك إن إلك من قريش     كإل السقب من رأل النعام



                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه الجوار ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنه الله تعالى ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أنه العهد ، رواه خصيف عن مجاهد ، وبه قال ابن زيد وأبو عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أنه الحلف ، قاله قتادة . وقرأ عبد الله بن عمرو ، وعكرمة ، وأبو رجاء ، وطلحة بن مصرف: "إيلا" بياء بعد الهمزة . وقرأ ابن السميفع ، والجحدري: "ألا" بفتح الهمزة وتشديد اللام . وفي المراد بالذمة ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها العهد ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والضحاك في آخرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: التذمم ممن لا عهد له ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      لا يرقبون بنا إلا ولا ذمما



                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: الأمان ، قاله اليزيدي ، واستشهد بقوله: "ويسعى بذمتهم أدناهم" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 403 ] قوله تعالى: يرضونكم بأفواههم فيه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: يرضونكم بأفواههم في الوفاء ، وتأبى قلوبهم إلا الغدر .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: يرضونكم بأفواههم في العدة بالإيمان ، وتأبى قلوبهم إلا الشرك .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: يرضونكم بأفواههم في الطاعة ، وتأبى قلوبهم إلا المعصية ، ذكرهن الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وأكثرهم فاسقون قال ابن عباس : خارجون عن الصدق ، ناكثون للعهد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية