الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 201 ] 108 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام فيما كان أمر به الذين ذكروا له من بني سليم أن صاحبا لهم أوجب في العتاق لذلك

733 - حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي ولقبه عارم ، عن ابن المبارك ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن الغريف بن عياش ، عن واثلة بن الأسقع قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم فقالوا : إن صاحبا لنا أوجب قال : فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منه عضوا منه من النار .

[ ص: 202 ]

734 - حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا المعلى بن الوليد القعقاعي ، حدثنا هانئ بن عبد الرحمن ، حدثني عمي إبراهيم بن أبي عبلة العقيلي قال : أدركت رجالا من أصحاب النبي عليه السلام رأيت منهم رجلين كلمت أحدهما ، ولم أكلم الآخر ، أخبرنا أبو أبي بن أم حرام الأنصاري وكان ممن شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم القبلتين ورأيت عليه كساء خز أغبر ، ورأيت واثلة بن الأسقع ، ولم أكلمه ، فقام إليه الغريف بن الديلمي حتى جلس إليه فلما قام من عنده لقيته فقلت : ما حدثك ؟ فقال : حدثني { أن نفرا من بني سليم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقالوا : يا رسول الله إن صاحبا لنا قد أوجب يعني النار ، فقال : مروه فليعتق رقبة يكفر الله بكل عضو منه عضوا منه من النار } .

[ ص: 203 ]

735 - حدثنا فهد ، حدثنا أبو مسهر ، حدثني يحيى بن حمزة ، حدثني إبراهيم بن أبي عبلة ، حدثني الغريف بن عياش بن فيروز الديلمي : { أن واثلة بن الأسقع ، حدثه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فجاء ناس من بني سليم فقالوا : يا رسول الله إن صاحبا لنا قد أوجب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليعتق رقبة يفك الله تعالى منها بكل عضو منها عضوا منه من النار } .

736 - حدثنا الليث بن عبدة بن محمد ، حدثنا محمد بن أسد الخشي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثني عبد الرحمن بن حسان الفلسطيني الكناني عمن سمع واثلة ، وسألوه أن يحدثهم بحديث لا وهم فيه ولا نقصان ، فغضب واثلة وقال : المصاحف تجددون النظر فيها بكرا [ ص: 204 ] وعشيا ، وإنكم تهمون وتزيدون وتنقصون ثم قال : { جاء ناس رسول الله عليه السلام فقالوا : يا رسول الله إن صاحبنا هذا أوجب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مروه فليعتق رقبة فإن الله يعتق بكل عضو من المعتق عضوا منه } .

737 - قال الوليد وأقول : حدثنا مالك بن أنس وغيره ، عن إبراهيم بن أبي عبلة أنه حدثهم ، عن عبد الله بن الديلمي ، عن واثلة بنحو منه ، ففي هذه الآثار أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين سألوه عما سألوه عنه فيها أمرهم أن يأمروا صاحبهم بالذي ذكروه له فيها أن يعتق عن نفسه رقبة لتكون فكاكه من النار .

وقد رويت هذه الآثار بغير هذه الألفاظ .

738 - كما حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ضمرة ، عن إبراهيم بن أبي عبلة قال : سمعته يذكر { عن الغريف بن الديلمي قال : أتينا واثلة فقلنا له : حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه زيادة ولا نقصان ، فغضب وقال : إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته فيزيد وينقص ، قلنا : إنما أردنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بينك وبينه أحد : قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا [ ص: 205 ] قد أوجب يعني النار بالقتل ، فقال : أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار } .

739 - حدثنا علي بن عبد الرحمن ، حدثنا عبد الله بن يوسف الدمشقي ، حدثنا عبد الله بن سالم ، حدثني إبراهيم بن أبي عبلة قال : كنت جالسا بأريحا ، فمر بي واثلة متوكئا على عبد الله بن الديلمي فأجلسه ثم جاء إلي فقال : عجب ما حدثني الشيخ يعني واثلة قلنا : ما حدثك ؟ قال : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتاه نفر من بني سليم ، فقالوا : يا رسول الله إن صاحبا لنا قد أوجب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار } .

فكان في هذين الأثرين غير ما في الآثار الأول ؛ لأن الذي فيهما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين سألوه أن يعتقوا عن صاحبهم رقبة ففي ظاهر [ ص: 206 ] ذلك مراده عتاقهم إياها عنه ، وإن ذلك يكون فكاكا له من النار ، ولم يذكر فيها أن يكون ذلك منهم عنه بأمره فظاهرهما أن عتاقهم إياها عنه بلا أمره يكون فكاكا له من النار ، كما يكون عتاقهم إياها عن نفسه فكاكا له من النار .

ووجدنا كتاب الله تعالى قد دفع مثل هذا المعنى عن ذوي الذنوب ، وهو قوله تعالى في الجزاء عن كفارة الصيد المقتول في الإحرام في سورة المائدة على ما ذكره فيها ، ثم أعقبه بقوله : ليذوق وبال أمره فأخبر أنه جعل الكفارة في قتل الصيد في الإحرام على قاتله ليذوق وبال قتله ، فمثل ذلك في كل كفارة عن ذنب إنما يراد بها ذوق المذنب وبالها ، وفي ذلك ما يمنع تكفير غيره عنه في ذلك بعتاق عنه أو بغيره .

ثم التمسنا ما في هذين من هذا المعنى : هل نقدر على تصحيح معناه على معاني الآثار التي ذكرناها في الفصل الأول من هذا الكتاب .

فوجدنا جميع الآثار التي رويناها في هذا الباب ينقسم قسمين ؛ أحدهما : { مروه فليعتق رقبة } وكان رواتها كذلك ، عن إبراهيم بن أبي عبلة صاحب هذا الحديث أربعة رجال وهم : مالك وابن المبارك ويحيى بن حمزة وهانئ بن عبد الرحمن ، والقسم الآخر : { أعتقوا عنه رقبة } وكان من روى ذلك عن إبراهيم رجلان وهما : عبد الله بن سالم وضمرة بن ربيعة ، وكان أربعة أولى بالحفظ من اثنين لا سيما وفي الأربعة : مالك وابن المبارك وهما في الثبت وفي الحفظ على ما هما عليه أولى من ابن سالم ومن ضمرة ، فإن وجب حمل هذا الباب على ما رواه ذو الأكثر في العدد والضبط في الرواية كان ما رواه أصحاب الفصل الأول وهو : مروه فليعتق رقبة أولى مما رواه [ ص: 207 ] اللذان رويا في الفصل الثاني مما يخالفه وهو : أعتقوا عنه ، وإن وجب حمله على ما يستقيم في اللغة ، فإن اللغة العربية تطلق في من أعتقه واحد من قبيلة أن يقال : إن تلك القبيلة أعتقته فيقولون : أعتقته خزاعة لعتاق رجل من خزاعة إياه ، ويقولون : أعتقته سليم لعتاق رجل من بني سليم إياه ، فكان منطلق لرواة هذا الحديث أيضا أن يقولوا حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان فيه : مروه فليعتق رقبة ، وأن يقولوا حكاية عنه : أعتقوا عنه رقبة بأمركم إياه وحثكم له على عتاق رقبة ، عن نفسه يضاف عتاقها إليكم وإليه جميعا ، فتعود بذلك معاني ما في هذين الفصلين إلى معنى واحد ، وهو عتاق الرجل الذي كان منه ذلك الذنب عن نفسه الرقبة التي تكون كفارة لذنبه ، وفكاكا له من النار منه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية