الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: فإن كنت في شك مما أنـزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ؛ هذه آية قد كثر سؤال الناس عنها؛ وخوضهم فيها جدا؛ وفي السورة ما يدل على بيانها؛ وكشف حقيقتها: والمعنى أن الله - جل وعز - خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك الخطاب شامل للخلق.

                                                                                                                                                                                                                                        فالمعنى: "إن كنتم في شك فاسألوا"؛ والدليل على ذلك قوله - في آخر السورة -: قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم

                                                                                                                                                                                                                                        فأعلم الله - جل وعز - أن نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليس في شك ؛ وأمره أن يتلو عليهم ذلك؛ ويروى عن الحسن أنه قال: لم يسأل؛ ولم يشك؛ فهذا بين جدا؛ والدليل على أن المخاطبة للنبي؛ مخاطبة للناس؛ قوله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ؛ فقال: "طلقتم"؛ ولفظ أول الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 33 ] وحده؛ فهذا أحسن الأقوال.

                                                                                                                                                                                                                                        وفيها قولان آخران؛ "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين"؛ كما تقول للرجل: "إن كنت أبي فتعطف علي"؛ أي: "إن كنت أبي فواجب أن تتعطف علي"؛ ليس أنه شك في أنه أبوه؛ وفيها وجه ثالث: أن تكون "أن"؛ في معنى "ما"؛ فيكون المعنى: "ما كنت في شك مما أنزلنا إليك؛ فاسأل الذين يقرؤون"؛ أي: "لسنا نأمرك لأنك شاك؛ ولكن لتزداد"؛ كما قال لإبراهيم : أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ؛ فالزيادة في التثبيت ليست مما يبطل صحة القصد.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية