الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإلى ثمود أخاهم صالحا عطف على ما سبق من قوله تعالى : وإلى عاد أخاهم موافق له في تقديم المجرور على المنصوب و ( ثمود ) قبيلة من العرب كانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وسميت باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عامر بن إرم بن سام بن نوح وقيل ابن عاد بن عوص بن إرم .. إلخ . وهو المنقول عن الثعلبي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عمرو بن العلاء : إنما سموا بذلك لقلة مائهم فهو من ثمد الماء إذا قل والثمد الماء القليل وورد فيه الصرف وعدمه أما الأول فباعتبار الحي أو لأنه لما كان في الأصل اسما للجد أو للقليل من الماء كان مصروفا لأنه علم مذكر أو اسم جنس فبعد النقل حكي أصله وأما الثاني فباعتبار أنه اسم القبيلة ففيه العلمية والتأنيث .

                                                                                                                                                                                                                                      وصالح عليه السلام من ثمود فالأخوة نسبية وهو على ما قال محيي السنة البغوي ابن عبيد بن أسف بن ماشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود وهو أخو صسم وجديس فيما قيل وقال وهب : هو ابن عبيد بن جابر بن ثمود بن جابر بن سام بن نوح بعث إلى قومه حين راهق الحلم وكان رجلا أحمر إلى البياض سبط الشعر فلبث فيهم أربعين عاما وقال الشامي : إنه بعث شابا فدعا قومه حتى شمط وكبر ونقل النووي أنه أقام فيهم عشرين سنة ومات بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد مر الكلام في نظائره قد جاءتكم بينة أي آية ومعجزة ظاهرة الدلالة شاهدة بنبوتي وهي من الألفاظ الجارية مجرى الأبطح والأبرق في الاستغناء عن ذكر موصوفاتها حالة الإفراد والجمع والتنوين للتفخيم أي بينة عظيمة من ربكم متعلق بمحذوف وقع صفة لبينة على ما مر غير مرة أو بجاءتكم و ( من ) لابتداء الغاية مجازا أو للتبعيض إن قدر من بينات ربكم والمراد بهذه البينة الناقة وليس في هذا الكلام منه عليه السلام أول ما خاطبهم به أثر الدعوة إلى التوحيد بل إنما قاله بعدما نصحهم وذكرهم بنعم الله تعالى فلم يقبلوا كلامه وكذبوه كما ينبئ عن ذلك ما في سورة هود وقوله تعالى : هذه ناقة الله لكم آية استئناف نحوي مسوق لبيان البينة والمعجزة وجوز أن يكون استئنافا بيانيا [ ص: 163 ] جوابا لسؤال مقدر تقديره أي هي وعلى التقديرين لا محل للجملة من الإعراب وجوز أن يكون بدلا من ( بينة ) بدل الجملة من مفرد للتفسير ولا يخفى بعده وإضافة الناقة إلى الاسم الجليل لتعظيمها كما يقال بيت الله للمسجد بيد أن الإضافة فيه لأدنى ملابسة ولا كذلك ما نحن فيه أو لأنها ليست بواسطة نتاج معتاد وأسباب معهودة كما سيتضح إن شاء الله تعالى لك ولذلك كانت آية وأي آية وقيل لأنها لا يملكها أحد سواه سبحانه وقيل : لأنها كانت حجة الله على قوم صالح وانتصاب ( آية ) على الحالية من ( ناقة ) والعامل فيها معنى الإشارة وسماه النحاة العامل المعنوي و ( لكم ) بيان لمن هي آية له كما في سقيا لك فيتعلق بمقدر وجوز أن يكون ( ناقة ) بدلا من ( هذه ) أو عطف بيان له أو مبتدأ ثانيا و ( لكم ) خبرا فآية حينئذ حال من الضمير المستتر فيه والعامل هو أو متعلقه فذروها تفريع على كونها آية من آيات الله تعالى وقيل : على كونها ناقة له سبحانه فإن ذلك مما يوجب عدم التعرض لها أي فاتركوها تأكل في أرض الله العشب وحذف للعلم به والفعل مجزوم لأنه جواب الأمر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو جعفر في رواية عنه ( تأكل ) بالرفع فالجملة حالية أي آكلة والجار والمجرور متعلق بما عنده أو بالأمر السابق فهما متنازعان وأضيفت الأرض إلى الله سبحانه قطعا لعذرهم في التعرض كأنه قيل : الأرض أرض الله تعالى والناقة ناقة الله تعالى فذروا ناقة الله تأكل في أرضه فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم فأي عذر لكم في منعها وعدم التعرض للشرب للاكتفاء عنه بذكر الأكل وقيل لتعميمه له أيضا كما في قوله .


                                                                                                                                                                                                                                      علفتها تبنا وماء باردا



                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر ذلك بقوله سبحانه : لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء نهي عن المس الذي هو مقدمة الإصابة بالشر الشامل لأنواع الأذى مبالغة في الزجر فهو كقوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم والجار والمجرور متعلق بالفعل والتنكير للتعميم أي لا تتعرضوا لها بشيء مما يسوءها أصلا كالطرد والعقر وغير ذلك وقيل : الجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل الفعل والمعنى لا تمسوها مع قصد السوء بها فضلا عن الإصابة فهو كقوله تعالى : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى .

                                                                                                                                                                                                                                      فيأخذكم عذاب أليم (73) منصوب في جواب النهي والمعنى لا تجمعوا بين المس وأخذ العذاب إياكم والأخير وإن لم يكن من صنيعهم حقيقة لكن لتعاطيهم أسبابه كأنه من صنيعهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية