الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 315 ] 86 - باب

                                رفع اليدين إذا قام من الركعتين

                                706 739 - حدثنا عياش ، ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا عبيد الله ، عن نافع ، أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه ، وإذا ركع رفع يديه ، وإذا قال : ( سمع الله لمن حمده ) رفع يديه ، وإذا قام من الركعتين رفع يديه ، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

                                ورواه حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                ورواه إبراهيم بن طهمان ، عن أيوب وموسى بن عقبة ، مختصرا .

                                التالي السابق


                                عياش ، هو : ابن الوليد الرقام البصري .

                                وعبد الأعلى ، هو : ابن عبد الأعلى الشامي البصري .

                                وقد روى هذا الحديث ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، مرفوعا .

                                وإنما رواه الناس عن عبيد الله - موقوفا - ، منهم : عبد الوهاب الثقفي ومحمد بن بشر ، إلا أن محمدا لم يذكر فيه : الرفع إذا قام من الركعتين .

                                وكذلك رواه أصحاب نافع عنه موقوفا .

                                فلهذا المعنى احتاج البخاري إلى ذكر من تابعه عبد الأعلى على رفعه ؛ ليدفع ما قيل من تفرده به .

                                فقد قال الإمام أحمد في رواية المروذي وغيره : رواه عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وبلغني أن عبد الأعلى رفعه .

                                وقد روي عن أحمد ، أنه صحح رفعه ، وسنذكره إن شاء الله سبحانه وتعالى .

                                [ ص: 316 ] وقال الدارقطني في ( العلل ) : أشبهها بالصواب عن عبيد الله ما قاله عبد الأعلى ، ثم قال : والموقوف عن نافع أصح .

                                وخرجه أبو داود في ( السنن ) ، عن نصر بن علي ، عن عبد الأعلى ، كما خرجه البخاري مرفوعا .

                                ثم قال : الصحيح قول ابن عمر ، وليس بمرفوع ، قال : روى بقية أوله عن عبيد الله وأسنده ، قال : ورواه الثقفي ، عن عبيد الله ، أوقفه على ابن عمر ، وقال فيه : إذا قام من الركعتين يرفعهما إلى ثدييه ، وهذا هو الصحيح .

                                ورواه الليث بن سعد ومالك وأيوب وابن جريج موقوفا ، وأسنده حماد بن سلمة وحده ، عن أيوب ، ولم يذكر أيوب ومالك الرفع إذا قام من السجدتين ، وذكره الليث في حديثه ، انتهى .

                                وقد رفعه بعضهم عن مالك ، ولا يصح ، قد رواه رزق الله بن موسى ، عن يحيى القطان ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه نحو صدره ، وإذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، ولا يرفع بعد ذلك .

                                قال العقيلي والدارقطني : لا يتابع رزق الله على رفعه .

                                وذكر الدارقطني : أن عبد الله بن نافع الصائغ وخالد بن مخلد وإسحاق الجندي رووه ، عن مالك مرفوعا .

                                قال : ولا يصح ذلك في حديث مالك ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع في كل رفع ووضع ، وقال : وهذا وهم على مالك في رفعه ولفظه .

                                قال : ورواه إسماعيل بن عياش ، عن صالح بن كيسان ، عن نافع ، عن [ ص: 317 ] ابن عمر - مرفوعا - أيضا .

                                وإسماعيل سيئ الحفظ لحديث الحجازيين .

                                ورواه إسماعيل - أيضا - عن موسى بن عقبة وعبيد الله كلاهما ، عن نافع ، عن ابن عمر - مرفوعا - في التكبير في هذه المواضع الأربعة ، دون الرفع .

                                وأما رواية إبراهيم بن طهمان التي استشهد بها البخاري ، فخرجها البيهقي من رواية إبراهيم بن طهمان ، عن أيوب بن أبي تميمة وموسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يرفع يديه حين يفتتح الصلاة ، وإذا ركع ، وإذا استوى قائما من ركوعه حذو منكبيه ، ويقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك .

                                ولم يذكر في حديثه : الرفع إذا قام من الركعتين .

                                وهذا هو الرفع الذي أشار إليه البخاري .

                                قال الدارقطني : وتابع إبراهيم بن طهمان : حماد بن سلمة ، عن أيوب ، وقيل : عن هدبة ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، وإنما أراد : حماد بن سلمة ، والله أعلم .

                                والصحيح : عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، موقوفا .

                                وكذا قال أبو ضمرة ، عن موسى بن عقبة .

                                قال : وروي عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر - مرفوعا - ، قاله محمد بن شعيب بن شابور .

                                وروي عن العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا .

                                ورواه إسماعيل بن أمية والليث ، عن نافع ، عن ابن عمر موقوفا .

                                قال : والموقوف عن نافع أصح . انتهى .

                                [ ص: 318 ] قال : وروي عن يحيى بن أبي كثير ، عن نافع وسالم ، عن ابن عمر ، مرفوعا .

                                قلت : هو غير محفوظ عن يحيى ، وهذا هو المعروف عن الإمام أحمد وقول أبي داود والدارقطني .

                                فرواية نافع ، عن ابن عمر ، الأكثرون على أن وقفها أصح من رفعها ، وكل هؤلاء لم يذكروا في رواياتهم القيام من الثنتين ، وصحح رفعها البخاري والبيهقي .

                                قال ابن عبد البر : هذا أحد الأحاديث الأربعة التي اختلف فيها سالم ونافع ، فرفعها سالم ووقفها نافع ، والقول فيها قول سالم ، ولم يلتفت الناس إلى نافع ، هذا أحدها ، والثاني : حديث : ( فيما سقت السماء العشر ) ، والثالث : حديث ( من باع عبدا وله مال ) ، والرابع : حديث ( تخرج نار من قبل اليمن ) . انتهى .

                                وقال النسائي والدارقطني : أحاديث نافع الثلاثة الموقوفة أولى بالصواب .

                                ورجح أحمد وقف : ( فيما سقت السماء ) وتوقف في حديث : ( من باع عبدا له مال ) ، وقال : إذا اختلف سالم ونافع فلا يقضى لأحدهما .

                                يشير إلى أنه لا بد من الترجيح بدليل .

                                وقد روي الرفع إذا قام من الركعتين من رواية سالم ، عن ابن عمر .

                                خرجه النسائي من طريق معتمر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة ، وإذا أراد أن يركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وإذا قام من الركعتين ، [ ص: 319 ] يرفع يديه كذلك حذاء المنكبين .

                                وروي - أيضا - عن الثقفي ، عن عبيد الله ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أنه كان إذا نهض رفع يديه .

                                فتبسم ، وقال : كم روي هذا عن الزهري ، ليس فيه هذا ، وضعفه .

                                ورواه - أيضا - أبو سعيد ابن الأعرابي ، عن الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن عاصم ، عن عبيد الله بن عمر كذلك .

                                وذكر الدارقطني في ( العلل ) : أن معتمر بن سليمان والثقفي روياه عن عبيد الله بن عمر مرفوعا ، وذكرا فيه : الرفع إذا قام من الثنتين .

                                ورواه ابن المبارك ، عن عبيد الله ، فلم يذكر : الرفع إذا قام من الثنتين .

                                ورواه - أيضا - إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية ، عن أيوب ، عن سالم ، عن ابن عمر .

                                خرجه الطبراني .

                                وهذا غير محفوظ عن أيوب .

                                وقد روي عن ابن عمر - مرفوعا - من وجه آخر .

                                خرجه الإمام أحمد وأبو داود من طريق محمد بن فضيل ، عن عاصم بن كليب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه .

                                [ ص: 320 ] وخالفه عبد الواحد بن زياد ، فرواه عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر - موقوفا - في الرفع عند الإحرام والركوع والرفع منه خاصة .

                                قال الدارقطني : وكذلك رواه أبو إسحاق الشيباني والنضر بن محارب بن دثار ، عن محارب ، عن ابن عمر ، موقوفا .

                                وقد روي الرفع إذا قام من الركعتين في حديث أبي حميد وأصحابه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد سبق ذكره .

                                وفي حديث علي بن أبي طالب وأبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                خرجهما أبو داود وغيره .

                                وقد تكلم في حديث أبي هريرة أبو حاتم الرازي والدارقطني .

                                وأما حديث علي ، فصححه الإمام أحمد والترمذي .

                                وقد اختلف العلماء في الرفع إذا قام من التشهد الأول :

                                فأكثرهم على أنه غير مستحب ، حتى ادعى أبو حامد الإسفراييني من أعيان الشافعية الإجماع على ذلك ، وجعله دليلا على نسخ الأحاديث الواردة فيه .

                                وليس الأمر كما قال .

                                واستحبه طائفة من العلماء ، كما ذكره البخاري والنسائي في ( كتابيهما ) .

                                وقال حرب الكرماني : حدثنا أحمد بن حنبل ، ثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا الربيع بن صبيح ، قال : رأيت الحسن وابن سيرين وعطاء وطاوسا ومجاهدا ونافعا وقتادة وابن أبي نجيح والحسن بن مسلم إذا دخلوا في الصلاة كبروا ورفعوا أيديهم ، وإذا كبروا للركوع رفعوا أيديهم .

                                غير أن أهل الحجاز كانوا يرفعون أيديهم إذا قاموا من الركعتين من الفريضة ، [ ص: 321 ] وكانوا يقعون على أعقابهم .

                                والمشهور عن الشافعي وأحمد ، أنه لا يرفع إذا قام من الركعتين .

                                قال أحمد : أنا لا أستعمله ولا أذهب إليه ، واستدل بحديث ابن عمر ، وقال فيه : وكان لا يرفع بعد ذلك ، أي : بعد المواضع الثلاثة .

                                وهذا الحديث بهذا اللفظ قد سبق من رواية رزق الله بن موسى ، عن يحيى القطان ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر - مرفوعا - ، وأنه لا يصح رفعه .

                                ورواه - أيضا - بشير الكوسج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في أول التكبير ، وإذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، ثم يكبر بعد ذلك ولا يرفع يديه .

                                قال بشير : وحدثني الحسن بن عثمان المديني ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثل ذلك .

                                وبشير هذا غير مشهور ، وقد ذكره الحاكم في ( تاريخ نيسابور ) ، وذكر أنه روى عنه جماعة .

                                وقال إسحاق بن إبراهيم : سئل أحمد : إذا نهض الرجل من الركعتين يرفع يديه ؟ قال : إن فعله فما أقربه ، فيه عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي حميد أحاديث صحاح ، ولكن قال الزهري في حديثه : ولم يفعل في شيء من صلاته ، وأنا لا أفعله .

                                وهذا اللفظ لا يعرف في حديث الزهري .

                                وذكر القاضي أبو يعلى : أن هذه الرواية عن أحمد تدل على جوازه ، من غير استحباب .

                                [ ص: 322 ] وحكي عن أحمد رواية باستحبابه .

                                قال البيهقي في كتاب ( مناقب الإمام أحمد ) : أنبأني أبو عبد الله الحافظ - يعني : الحاكم - ، ثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سألت أبي عن حديث عبد الأعلى ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، في رفع اليدين ، وكان إذا قام من الثنتين رفع يديه ، فقال : سنة صحيحة مستعملة ، وقد روى مثلها علي بن أبي طالب وأبو حميد في عشرة من الصحابة ، وأنا أستعملها .

                                قال الحاكم أبو عبد الله : سئل الشيخ أبو بكر - يعني : ابن إسحاق - عن ذلك ؟ فقال : أنا أستعملها ، ولم أر من أئمة الحديث أحدا يرجع إلى معرفة الحديث إلا وهو يستعملها .

                                وهذه الرواية غريبة عن أحمد جدا ، لا يعرفها أصحابنا ، ورجال إسنادها كلهم حفاظ مشهورون ، إلا أن البيهقي ذكر أن الحاكم ذكرها في كتاب ( رفع اليدين ) وفي كتاب ( مزكي الأخبار ) ، وأنه ذكرها في ( كتاب التاريخ ) بخلاف ذلك عند القيام من الركعتين ، فوجب التوقف . والله أعلم .

                                وحكي ذلك - أيضا - قولا للشافعي ؛ لأنه ذكر حديث أبي حميد الساعدي بطوله ، قال : وبهذا نقول .

                                قال البيهقي في ( كتاب المعرفة ) : ومذهب الشافعي متابعة السنة إذا ثبتت ، وقد قال في حديث أبي حميد : وبهذا أقول .

                                وقال البغوي : لم يذكر الشافعي رفع اليدين إذا قام من الثنتين ، ومذهبه اتباع السنة ، وقد ثبت ذلك .

                                وذهب إلى هذا طائفة من أهل الحديث ، منهم : ابن المنذر ، ومن أصحاب [ ص: 323 ] الشافعي ، منهم : أبو علي الطبري والبيهقي والبغوي وغيرهم من المتأخرين ، ورجحه - أيضا - طائفة من المتأخرين من أصحابنا ، قالوا : وهو دون الرفع في الإحرام والركوع والرفع منه في الاستحباب .

                                فأما الرفع للسجود وللرفع منه ، فلم يخرج في ( الصحيحين ) منه شيء ، وقد خرج البخاري في حديث ابن عمر : وكان لا يفعل ذلك في السجود .

                                وفي رواية له - أيضا - : وكان لا يفعل ذلك حين يسجد ، ولا حين يرفع من السجود ، وقد سبقت الروايتان .

                                وهذا قول جمهور العلماء ، وقد نص عليه الشافعي وأحمد .

                                وسئل أحمد : أليس يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه فعله ؟ فقال : هذه الأحاديث أقوى وأكثر .

                                وروى هذا الحديث بقية ، عن الزبيدي ، عن الزهري - وابن أخي الزهري ، عن عمه - وزاد في روايته بعد قوله ولا يرفعهما في السجود : ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع حتى تنقضي صلاته .

                                خرجه أبو داود من طريق بقية .

                                والإمام أحمد من الطريق الأخرى ، وعنده : ( في كل ركعة وتكبيرة ) إلى آخره .

                                وذهب طائفة إلى استحباب رفع اليدين إذا قام من السجود ، منهم : ابن المنذر وأبو علي الطبري من الشافعية .

                                [ ص: 324 ] واستدلوا : بما روى محمد بن جحادة ، عن عبد الجبار بن وائل ، عن علقمة بن وائل ، عن أبيه ، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان إذا كبر رفع يديه ، قال : ثم التحف ، ثم أخذ شماله بيمينه ، فأدخل يديه في ثوبه ، فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما ، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه ، فإذا رفع رأسه - أيضا - من السجود رفع يديه حتى فرغ من صلاته .

                                خرجه أبو داود .

                                وخرجه مسلم إلى قوله : ( فلما سجد سجد بين كفيه ) ، ولم يذكر ما بعده .

                                وقالت طائفة : يرفع يديه مع كل تكبيرة ، وكلما خفض ورفع ، وهو قول بعض أهل الظاهر .

                                وقال أحمد بن أصرم المزني : رأيت أحمد يرفع يديه في كل خفض ورفع ، وسئل عن رفع اليدين إذا قام من الركعتين ؟ فقال : قد فعل .

                                وحمل القاضي أبو يعلى هذه الرواية على الجواز دون الاستحباب .

                                ونقل المروذي ، عن أحمد ، قال : لا يرفع يديه بين السجدتين ، فإن فعل فهو جائز .

                                ونقل جعفر بن محمد ، عن أحمد ، قال : يرفع يديه في كل موضع ، إلا بين السجدتين .

                                وروى محارب بن دثار ، أنه رأى ابن عمر يرفع يديه إذا ركع وسجد .

                                وروى أبو أسامة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه [ ص: 325 ] كان يرفع يديه إذا رفع رأسه من السجدة الأولى .

                                وروى حماد بن سلمة ، عن يحيى بن أبي إسحاق ، عن أنس ، أنه كان يرفع يديه من السجدتين .

                                وروي ذلك - أيضا - عن الحسن وابن سيرين وطاوس ونافع وأيوب .

                                ذكره ابن أبي شيبة في ( كتابه ) .

                                وروى شعبة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث ، أنه رأى نبي الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الصلاة إذا ركع ، وإذا رفع رأسه من ركوعه ، وإذا سجد ، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه .

                                خرجه النسائي .

                                وخرجه - أيضا - من طريق هشام ، عن قتادة ، بنحوه ، إلا أنه لم يذكر فيه : الرفع إذا سجد .

                                وخرجه مسلم من رواية سعيد بن أبي عروبة وأبي عوانة ، عن قتادة .

                                ولم يذكر فيه سوى الرفع في المواضع الثلاثة الأول خاصة .

                                وروى شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن عبد الرحمن اليحصبي ، عن وائل بن حجر ، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يكبر إذا خفض وإذا رفع ، ويرفع يديه عند التكبير ، ويسلم عن يمينه وعن يساره .

                                [ ص: 326 ] قال الإمام أحمد : أنا لا أذهب إلى حديث وائل بن حجر ، وهو مختلف في ألفاظه .

                                ويجاب عن هذه الروايات كلها - على تقدير أن يكون ذكر الرفع فيها محفوظا ، ولم يكن قد اشتبه بذكر التكبير بالرفع - بأن مالك بن الحويرث ووائل بن حجر لم يكونا من أهل المدينة ، وإنما كانا قد قدما إليها مرة أو مرتين ، فلعلهما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مرة ، وقد عارض ذلك نفي ابن عمر ، مع شدة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم وشدة حرصه على حفظ أفعاله واقتدائه به فيها ، فهذا يدل على أن أكثر أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان ترك الرفع فيما عدا المواضع الثلاثة والقيام من الركعتين .

                                وقد روي في الرفع عند السجود وغيره أحاديث معلولة :

                                فروى الثقفي : حدثنا حميد ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة ، وإذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وإذا سجد . خرجه الدارقطني . وخرجه ابن ماجه إلى قوله : ( وإذا ركع ) .

                                وخرجه ابن خزيمة في ( صحيحه ) إلى قوله : ( وإذا رفع رأسه ) .

                                وقد أعل هذا بأنه قد رواه غير واحد من أصحاب حميد ، عن حميد ، عن أنس ، من فعله غير مرفوع .

                                كذا قاله البخاري ، نقله عنه الترمذي في ( علله ) .

                                وقال الدارقطني : الصواب من فعل أنس .

                                [ ص: 327 ] وروى إسماعيل بن عياش ، عن صالح بن كيسان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الصلاة حذو منكبيه ، حين يفتتح الصلاة ، وحين يركع ، وحين يسجد .

                                خرجه الإمام أحمد وابن ماجه .

                                زاد الإمام أحمد : وعن صالح ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل ذلك .

                                وإسماعيل بن عياش ، سيئ الحفظ لحديث الحجازيين .

                                وقد خالفه ابن إسحاق ، فرواه عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة - موقوفا - ، قاله الإمام أحمد وغيره .

                                وقال الدارقطني في ( علله ) : اختلف على إسماعيل بن عياش في لفظه ، فذكرت عنه طائفة الرفع عند الافتتاح والركوع والسجود ، وذكرت طائفة عنه الرفع عند الافتتاح والركوع والرفع منه .

                                قال : وهو أشبه بالصواب .

                                وروى عمرو بن علي ، عن ابن أبي عدي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع ، ويقول : أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                خرجه الدارقطني في كتاب ( العلل ) ، وقال : لا يتابع عليه عمرو بن علي ، وغيره يرويه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع ، وهو الصحيح .

                                وروى الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الصلاة في كل خفض ورفع .

                                [ ص: 328 ] وفي رواية : كان يرفع يديه حين يهوي للسجود .

                                قال الوليد : وبهذا كان يأخذ الأوزاعي .

                                خرجه ابن جوصا في ( مسند الأوزاعي ) .

                                وقد اختلف على الوليد في إرساله ووصله ، ولم يسمعه من الأوزاعي ، بل دلسه عنه ، وهو يدلس عن غير الثقات .

                                وروى الإمام أحمد : ثنا نصر بن باب ، عن حجاج ، عن الذيال بن حرملة ، عن جابر ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في كل تكبيرة في الصلاة .

                                نصر بن باب ، وحجاج بن أرطاة ، لا يحتج بهما .

                                وروى رفدة بن قضاعة ، عن الأوزاعي ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن أبيه ، عن جده عمير بن حبيب ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة .

                                خرجه ابن ماجه .

                                وقال مهنا : سألت أحمد ويحيى عن هذا الحديث ، فقالا جميعا : ليس بصحيح ، قال أحمد : لا يعرف رفدة بن قضاعة ، وقال يحيى : هو شيخ ضعيف .

                                وخرج ابن ماجه - أيضا - من رواية عمر بن رياح ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند كل تكبيرة .

                                [ ص: 329 ] وعمر بن رياح ساقط الرواية .

                                لكن تابعه النضر بن كثير أبو سهل الأزدي ، قال : صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس بمنى في مسجد الخيف ، فكان إذا سجد سجدة الأولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه ، فأنكرت أنا ذلك ، فقال عبد الله بن طاوس : رأيت أبي يصنعه ، وقال أبي : رأيت ابن عباس يصنعه ، وقال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه .

                                خرجه النسائي .

                                وخرجه أبو داود ، وعنده : ولا أعلم إلا أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه .

                                والنضر بن كثير ، قال البخاري : فيه نظر ، وقال مرة : عنده مناكير .

                                قال أبو أحمد الحاكم : هذا حديث منكر من حديث طاوس .

                                وقال العقيلي : لا يتابع النضر عليه .

                                وقال ابن عدي : هو ممن يكتب حديثه .

                                وخرج له هذا الحديث ، وعنده : أنه كان يرفع يديه كلما ركع وسجد ، ويرفع بين السجدتين .

                                وضعف الإمام أحمد النضر هذا .

                                وقال أبو حاتم والدارقطني : فيه نظر .

                                وقال النسائي : صالح .

                                [ ص: 330 ] وخرج أبو داود من حديث ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن ميمون المكي ، أنه رأى عبد الله بن الزبير يصلي بهم يشير بكفيه حين يقوم ، وحين يركع ، وحين يسجد ، وحين ينهض للقيام ، فيقوم فيشير بيديه . قال : فانطلقت إلى ابن عباس ، فقلت : إني رأيت ابن الزبير صلى صلاة لم أر أحدا صلاها ، ووصفت له هذه الإشارة ، فقال : إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتد بصلاة عبد الله بن الزبير . إسناده ضعيف .



                                الخدمات العلمية