الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ) : أولياء الله هم الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة .

وقد فسر ذلك في قوله : ( الذين آمنوا وكانوا يتقون ) وعن سعيد بن جبير : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أولياء الله فقال : هم الذين يذكرون الله برؤيتهم يعني السمت والهيئة . وعن ابن عباس : الإخبات والسكينة . وقيل : هم المتحابون في الله . قال ابن عطية : وهذه الآية يعطي ظاهرها أن : من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله ، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي ، وإنما نبهنا هذا التنبيه حذرا من مذهب الصوفية وبعض الملحدين في الولي ، انتهى .

وإنما قال : حذرا من مذهب الصوفية ، لأن بعضهم نقل عنه أن الولي أفضل من النبي ، وهذا لا يكاد يخطر في قلب مسلم . ولابن العربي الطائي كلام في الولي وفي غيره نعوذ بالله منه .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن من عباد الله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله " قالوا : يا رسول الله ومن هم ؟ قال : " قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام ولا أموال يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لتنور ، وإنهم لعلى منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ، ثم قرأ : ( ألا إن أولياء الله ) الآية ، وتقدم تفسير ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) والذين يحتمل أن يكون منصوبا على الصفة ، قاله الزمخشري ، أو على البدل قاله ابن عطية ، أو بإضمار أمدح ، ومرفوعا على إضمار هم ، أو على الابتداء ، والخبر لهم البشرى . وأجاز الكوفيون رفعه على موضع أولياء نعتا أو بدلا ، وأجيز فيه الخبر بدلا من ضمير عليهم . وفي قوله : ( وكانوا يتقون ) : إشعار بمصاحبتهم للتقوى مدة حياتهم ، فحالهم في المستقبل كحالهم في الماضي .

وبشراهم في الحياة الدنيا تظاهرت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن " أو " ترى له " فسرها بذلك وقد سئل . وعنه في صحيح مسلم : " لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة " وقال قتادة والضحاك : هي ما يبشر به المؤمن عند موته وهو حي عند المعاينة . وقيل : هي محبة الناس له ، والذكر الحسن .

وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يعمل العمل لله ويحبه الناس فقال : " تلك عاجل بشرى المؤمن " وعن عطاء : لهم البشرى عند الموت تأتيهم الملائكة بالرحمة . قال تعالى : ( تتنزل عليهم الملائكة ) الآية قال ابن عطية : ويصح أن تكون بشرى الدنيا في القرآن من الآيات المبشرات ، ويقوي ذلك قوله في هذه الآية : لا تبديل لكلمات الله ، وإن كان ذلك كله يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " هي الرؤيا " إلا إن قلنا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى مثالا من البشرى وهي تعم جميع البشر .

وبشراهم في الآخرة تلقى الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالنور والكرامة ، وما يرون من بياض وجوههم ، وإعطاء الصحف بأيمانهم ، وما يقرءون منها ، وغير ذلك من البشارات . لا تبديل لكلمات الله ، لا تغيير لأقواله ، ولا خلف في مواعيده كقوله : ( ما يبدل القول لدي ) والظاهر أن ذلك إشارة إلى التبشير والبشرى في معناه . قال الزمخشري : وذلك إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين . وقال ابن عطية : إشارة إلى النعيم الذي [ ص: 176 ] وقعت به البشرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية