الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما ذكر في الرخصة للجنب في الأكل والنوم إذا توضأ

                                                                                                          613 حدثنا هناد حدثنا قبيصة عن حماد بن سلمة عن عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا قبيصة ) بن عقبة بن محمد بن سفيان السوائي أبو عامر الكوفي صدوق ربما خالف ، روى عن الثوري وشعبة وحماد بن سلمة وغيرهم ، وعنه البخاري والذهلي وهناد بن سري وغيرهم كذا في التقريب وتهذيب التهذيب ( عن يحيى بن يعمر ) بفتح التحتانية [ ص: 190 ] والميم ، بينهما مهملة ساكنة البصري ، نزيل مرو وقاضيها ، ثقة فصيح ، وكان يرسل ، من الثالثة ، كذا في التقريب . وقال صاحب مجمع البحار في كتابه المغني : بفتح الميم وضمها .

                                                                                                          قوله : ( رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة ) أي الوضوء الشرعي . والحديث يدل على أفضلية الغسل للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام ؛ لأن العزيمة أفضل من الرخصة ، وعلى أنه يجوز له أن يأكل أو يشرب أو ينام قبل الاغتسال ، وهذا كله مجمع عليه قاله النووي .

                                                                                                          وأما من أراد أن يأكل أو يشرب فقد اتفق الناس على عدم وجوب الوضوء عليه ، وحكى ابن سيد الناس في شرح الترمذي عن ابن عمر أنه واجب ، وأما من أراد أن ينام وهو جنب فقال الظاهرية وابن حبيب من المالكية بوجوب الوضوء عليه ، وذهب الجمهور إلى استحبابه وعدم وجوبه . وتمسك القائلون بالوجوب بحديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه تصيبه الجنابة من الليل ، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : توضأ واغسل ذكرك ثم نم ، رواه الشيخان . وتمسك الجمهور بحديث ابن عباس مرفوعا : إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة ، أخرجه أصحاب السنن ، وبحديث عائشة : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب ولا يمس ماء ، أخرجه أبو داود والترمذي ، وهو حديث ضعيف لا يصلح للاستدلال .

                                                                                                          قال الشوكاني في النيل بعد ذكر ما تمسك به الفريقان ما لفظه : فيجب الجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب ، ويؤيد ذلك أنه أخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من حديث ابن عمر : أنه سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- : أينام أحدنا وهو جنب؟ قال : " نعم ويتوضأ إن شاء " انتهى كلام الشوكاني .

                                                                                                          قلت : الأمر عندي كما قال الشوكاني ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد وأخرج الشيخان عن عائشة مرفوعا بلفظ : كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة ، وأخرج أحمد والنسائي عنها مرفوعا بلفظ : إذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب يغسل يديه ثم يأكل ويشرب ، قال الشوكاني : يجمع بين الروايات بأنه تارة توضأ وضوءه للصلاة ، وتارة يقتصر على غسل اليدين ، لكن هذا في الأكل والشرب خاصة ، وأما في النوم والمعاودة فهو كوضوء الصلاة لعدم المعارض من الأحاديث المصرحة فيهما بأنه كوضوء الصلاة ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 191 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية