الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: أولئك على هدى من ربهم ؛ موضع " أولئك " : رفع بالابتداء؛ والخبر: " على هدى من ربهم " ؛ إلا أن أولئك لا يعرب؛ لأنه اسم للإشارة؛ وكسرت الهمزة فيه لالتقاء الساكنين؛ وكذلك قوله: وأولئك هم المفلحون ؛ إلا أن " هم " ؛ دخلت فصلا؛ وإن شئت كانت تكريرا للاسم؛ كما تقول: " زيد هو العالم " ؛ فترفع " زيدا " ؛ بالابتداء؛ وترفع " هو " ؛ ابتداء ثانيا؛ وترفع " العالم " ؛ خبرا ل " هو " ؛ و " العالم " ؛ خبرا ل " زيد " ؛ فكذلك قوله: " وأولئك هم المفلحون " ؛ وإن شئت جعلت " هو " ؛ فصلا؛ وترفع " زيدا " و " العالم " ؛ على الابتداء وخبره؛ والفصل هو الذي يسميه الكوفيون " عمادا " .

                                                                                                                                                                                                                                        وسيبويه يقول: إن الفصل لا يصلح إلا مع الأفعال التي لا تتم؛ نحو: " كان زيد هو العالم " ؛ و " ظننت زيدا هو العالم " ؛ وقال سيبويه : دخل الفصل في قوله - عز وجل -: تجدوه عند الله هو خيرا ؛ وفي قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ؛ وفي قوله: ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنـزل إليك من ربك هو الحق ؛ وفي قوله: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ؛ [ ص: 75 ] وما أشبه هذا؛ مما ذكر الله - عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                        وكذلك لك في الكلام في الابتداء والخبر؛ وفي قولك: " كان زيد هو العالم " ؛ ذكر " هو " ؛ و " أنت " ؛ و " أنا " ؛ و " نحن " ؛ دخلت إعلاما بأن الخبر مضمون؛ وأن الكلام لم يتم؛ وموضع دخولها إذا كان الخبر معرفة؛ أو ما أشبه المعرفة؛ وأن " هو " ؛ بمنزلة " ما " ؛ اللغو؛ في قوله - عز وجل -: فبما رحمة من الله لنت لهم ؛ فإنما دخولها مؤكدة. وقوله - عز وجل -: المفلحون ؛ يقال لكل من أصاب خيرا: " مفلح " ؛ وقال - عز وجل -: قد أفلح المؤمنون ؛ وقال: قد أفلح من زكاها ؛ والفلاح: البقاء؛ قال لبيد بن ربيعة : [ ص: 76 ]

                                                                                                                                                                                                                                        نحل بلادا كلها حل قبلنا ... ونرجو الفلاح بعد عاد وتبعا



                                                                                                                                                                                                                                        أي: نرجو البقاء؛ وقال عبيد:


                                                                                                                                                                                                                                        أفلح بما شئت فقد يد ...     رك بالضعف وقد يخدع الأريب



                                                                                                                                                                                                                                        أي: أصب خيرا بما شئت؛ و " الفلاح " : الأكار؛ والفلاحة صناعته؛ وإنما قيل له: " الفلاح " ؛ لأنه يشق الأرض؛ ويقال: " فلحت الحديد " ؛ إذا قطعته؛ قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        قد علمت خيلك أني الصحصح ...     إن الحديد بالحديد يفلح



                                                                                                                                                                                                                                        ويقال للمكاري: " الفلاح " ؛ وإنما قيل له: " فلاح " ؛ تشبيها بالأكار؛ قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        لها رطل تكيل الزيت فيه ...     وفلاح يسوق لها حمارا



                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية