الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 219 ] اختصار علل أصول القراء في الهمز

                                                                                                                                                                                                                                      أصل علة تخفيف الهمزة ثقل الهمزة، وبعد مخرجها، وثقل النطق بها; ولذلك خففتها العرب على الضروب التي استقصيت ذكرها في “الكبير”.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن خص الساكنة بالتخفيف دون المتحركة; فلأنها ضعيفة; إذ الساكن أضعف من المتحرك، والاعتلال أسرع إلى الضعيف منه إلى القوي، وأيضا فإن تخفيفها يطرد بالبدل، فهو أسهل من تخفيف المتحرك التي تجعل بين بين، وتتغير أحكامها إلى ضروب من التخفيف، ودبرت الساكنة بحركة ما قبلها; لأنها أقرب إليها من الحركة التي بعدها; من حيث كانت الحركات مقدرة بعد الحروف; لما ذكرناه من الأدلة على ذلك في “الكبير”.

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب الفراء، وأبو طاهر: إلى أن المتحركة أخف من الساكنة; ولذلك [ ص: 220 ] خصت الساكنة بالتخفيف.

                                                                                                                                                                                                                                      [فأما اختصاص أبي عمرو بالتخفيف في درج القراءة]; فلأن الدرج محتاج إلى التخفيف، وأما في الصلاة; فلئلا يشتغل بتكلفه تحقيق الهمز عن تدبر ما ينبغي للمصلي أن يتدبره من عبر القرآن، ويشغله أيضا عن الخشية، والخشوع، والخضوع لمن هو بين يديه.

                                                                                                                                                                                                                                      واستثناؤه ما سكونه علامة للجزم; لأن السكون عارض، فحمله على حكم المتحرك; لأنهم لا يعتدون بالعارض في أغلب الأمر، وأيضا فإن بعض ذلك يلتبس فيه المجزوم بالمعرب إذا خفف; نحو: اقرأ [الإسراء: 14]، [ ص: 221 ] و نبئ [الحجر: 49]، وهيئ [الكهف: 10]، وأيضا فإن ترك الهمزة يؤدي إلى كثرة الإعلال; نحو: يشأ [النساء: 133].

                                                                                                                                                                                                                                      وهمز ورئيا [مريم: 74]; لئلا يلتبس إذا ترك همزه بـ (ري الشارب)، و تؤويه [المعارج: 13]; لأن ترك الهمز فيه أثقل من الهمز; لاجتماع ضمة وواوين، و مؤصدة [البلد: 20]; لأن ترك همزه يخرجه عن اللغة التي قرأ بها -وهي (آصدت) - إلى (أوصدت) لغة أخرى فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      واختصاص ورش بتخفيف الهمزة التي هي فاء الفعل; للزوم التخفيف إياها في مثالين; وهما (أفعل) و (أفعل)، وهما كـ آمن [البقرة: 13]، و (أومن); فخفف; ليجري الباب على سنن واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      وتركه الهمز في يأكل [يونس: 24]، و يأخذ [الكهف: 79]; إتباعا لمثال واحد; وهو قولك: (أنا امرؤ آكل)، وقد أتبعوا يأذن [يوسف: 80] وبابه لسائر الأمثلة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 222 ] فأما همزة بئس [هود: 99]; فإنه أراد الزيادة في تخفيفه بترك الهمز; إذ قد خفف من (فعل) إلى (فعل)، وألزم ذلك، وقد ذكرت الذي في (الأعراف) [165] في موضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما {الذيب} [يوسف: 13]; فإنه يحتمل أن يكون من (ذاب يذوب)، فيكون مما لا أصل له في الهمز، ويحتمل أن يكون غير مشتق من فعل.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما (البئر); فترك همزه; لقول العرب في جمعه: (آبار)، فقلبوه، وألزموه البدل; فحمل الواحد على الجمع.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن حقق الهمزة الساكنة في كل ذلك; جاء بها على الأصل.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الهمزة المتحركة المنفردة; فقد تقدم أن علة تخفيفها ثقلها.

                                                                                                                                                                                                                                      واختصاص ورش فاء الفعل المفتوحة المضموم ما قبلها; لأنه أجرى المتحركة مجرى الساكنة لما كان تخفيفها بالبدل مثلها، ولم يفعل ذلك فيما يكون التخفيف فيه بين بين; نحو: تأخر [البقرة: 203]، و تأذن [الأعراف: 167]، ويقوي اختصاصه فاء الفعل أنها قد تدخل عليها في بعض الأبنية أخرى; نحو: (أنا أؤذن)، [ ص: 223 ] و (أنا أؤدي)، وإذا لم تكن فاء; أمن من دخول أخرى عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما مستهزئون [البقرة: 14]، و الخاطئون [الحاقة: 37]، وبابه; فهو على لغة من أخرج ذلك بالتخفيف إلى ذوات الياء، فقال: (توضيت)، و (قريت)، و (استهزيت)، وهي لغة معروفة، واختصاص نافع من هذا الأصل {الصابين} [البقرة: 62]، و {الصابون} [المائدة: 69] يجوز أن يكون على وجه التخفيف والجمع بين اللغتين، ويجوز أن يكون جعله من (صبا يصبو).

                                                                                                                                                                                                                                      فأما اجتماع الهمزتين; فعلة التخفيف فيه ظاهرة; لأن التخفيف إذا وجب في المنفردة; كان في المجتمعتين أولى، قال سيبويه: ليس من كلام العرب أن تجتمع همزتان، ويقويه رفض العرب الجمع بينهما في نحو: آدم [البقرة: 31]، و آخر [الحجر: 96]، وقد بسطت ذلك كله في “الكبير”.

                                                                                                                                                                                                                                      وإدخال الألف بين المحققة والمخففة وجهه: أن المخففة في وزن المحققة، [ ص: 224 ] ففيها من الثقل بعض ما فيها، ومن لم يدخل الألف; فلأن الهمزة قد زالت قوتها وشدتها.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما علة تحقيق هشام أأنبئكم [آل عمران: 15] دون صاحبيه; فهي ما أجاب به أبو عمرو الخليل; إذ قال لليزيدي: لم قرأتم: {أءلقي} [القمر: 25]، {أءنزل} [ص: 8]، ولم تقرؤوا: {أؤنبئكم}؟ -وهي رواية عن أبي عمرو، [ويترك المد في {أؤنبئكم}، ويمد في الآخرين]- فقال أبو عمرو لليزيدي: قل له: إن هذا من (نبأت)، وليس من (أنبأت).

                                                                                                                                                                                                                                      أراد: الفرق بين ما أول ماضيه همزة، وبين ما لا همزة في أوله، فأدخل الألف فيما أوله همزة; للزوم الهمزة في الماضي، والمستقبل، والمصدر، ولم يدخلها فيما لا همزة في أوله; إذ لا تدخل الهمزة فيه إلا في فعل المتكلم، فلم يعتد بثقل الهمزة لما لم يلزم، فكذلك لم يعتد هشام باجتماع الهمزتين في الذي ليست الهمزة فيه لازمة في الأحوال المذكورة، وخفف في اللذين تلزم الهمزة فيهما.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية