الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وكأنه أحسن العفو عنهم فقال عاطفا على سؤاله فيه: واكتب لنا أي: في مدة إحيائك لنا في هذه الدنيا أي: الحاضرة والدنية حسنة أي: عيشة راضية طيبة وفي الحياة الآخرة أي: كذلك; ثم علل ذلك بقوله: إنا هدنا أي: تبنا إليك أي: عما لا يليق بجنابك كما أمرتنا أن نخبر ما عساه يقع منا بالمبادرة إلى التوبة، فبدأ بذكر عزة الربوبية وثنى بذلة العبودية وهما أقوى أسباب السعادة، وهذا تلقين لهم وتعليم وتحذير من مثل ما وقعوا فيه وحث على التسليم، وكأنه لما كان ذنبهم الجهر بما لا يليق به سبحانه من طلب الرؤية، عبر بهذا اللفظ أو ما يدل على معناه تنبيها لهم على أن اسمهم يدل على التوبة والرجوع إلى الحق والصيرورة إلى الصلاح واللين والضعف في الصوت والاستكانة في الكلام والسكوت عما لا يليق، وأن يهودا الذي أخذ اسمه من ذلك إنما سموا به ونسبوا إليه تفاؤلا لهم ليتبادروا إلى التوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان في كلامه عليه السلام [إنكار] إهلاك الطائع بذنب العاصي وإن كان ذلك إنما كان على سبيل الاستعطاف منه والتملق مع العلم بأنه عدل منه تعالى وله أن يفعل ما يشاء بدليل قوله: لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي استأنف سبحانه الإخبار عن الجواب عن كلامه على وجه منبه للجماهير على أن له التصرف المطلق بقوله: [ ص: 105 ] قال عذابي أي: انتقامي الذي يزيل كل عذوبة عمن وقع به أصيب به أي: في الدنيا والآخرة من أشاء أي: أذنب أو لم يذنب ورحمتي أي: إنعامي وإكرامي.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الإيجاد من الرحمة فإنه خير من العدم فهو إكرام في الجملة، قال: وسعت كل شيء أي: هذا شأنها وصفتها في نفس الأمر وإن بلغ في القبائح ما عساه أن يبلغ، وهذا معنى حديث أبي هريرة في الصحيح: "إن رحمتي سبقت - وفي رواية: غلبت - غضبي" سواء قلنا: إن السبق بمعنى الغلبة، أو قلنا: إنه على بابه، أما الأول فلأن تعلق الرحمة أكثر؛ لأن كل ما تعلق به الغضب تعلقت به الرحمة بإيجاد وإفاضة الرزق عليه، ولا عكس كالحيوانات العجم والجمادات وأهل السعادة من المؤمنين والملائكة والحور وغيرهم من جنود الله التي لا تحصى. ولما أعلم أن رحمته واسعة وقدرته شاملة، وكان ذلك موسعا للطمع، سبب عن ذلك قوله ذاكرا شرط إتمام تلك الرحمة ترهيبا لمن يتوانى عن تحصيل ذلك الشرط: فسأكتبها أي: أخص بدوامها بوعد لا خلف فيه لأجل تمكني بتمام القدرة مما أريد مبتوتا أمرها بالكتابة للذين يتقون أي: يوجد لهم هذا الوصف الحامل على كل خير ولا يخل بوسعها أن أمنع دوامها بعد الإيجاد من غيرهم، فإن الكل لو دخلوا فيها دائما [ما] ضاقت بهم، فهي في نفسها واسعة ولكني أفعل ما أشاء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 106 ] ولما ذكر نظرهم إلى الخالق بالانتهاء عما نهى عنه والائتمار بما أمر به، أتبعه النظر إلى الخلائق فقال: ويؤتون الزكاة ولعله خصها لأن فرضها كان في هذا الميقات كما تقدم في البقرة ولأنها أمانة فيما بين الخلق والخالق كما أن صفات النبي صلى الله عليه وسلم التي كتبها لهم وشرط قبول أعمالهم باتباعه كذلك; ثم عمم بذكر ثمرة التقوى فقال مخرجا لمن يوجد منه ذانك الوصفان في الجملة على غير جهة العموم: والذين هم بآياتنا أي: كلها يؤمنون أي: يصدقون بالقلب ويقرون باللسان ويعملون تصديقا لذلك بالأركان، فلا يكفرون ببعض ويؤمنون ببعض.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية