الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ثوا ]

                                                          ثوا : الثواء : طول المقام ، ثوى يثوي ثواء ، وثويت بالمكان وثويته ثواء وثويا ، مثل مضى يمضي مضاء ومضيا ; الأخيرة عن سيبويه ; وأثويت به : أطلت الإقامة به . وأثويته أنا وثويته ; الأخيرة عن كراع : ألزمته الثواء فيه . وثوى بالمكان : نزل فيه ، وبه سمي المنزل مثوى . والمثوى : الموضع الذي يقام به ، وجمعه المثاوي . ومثوى الرجل : منزله . والمثوى : مصدر ثويت أثوي ثواء ومثوى . وفي كتاب أهل نجران : وعلى نجران مثوى رسلي ، أي : مسكنهم مدة مقامهم ونزلهم . والمثوى : المنزل . وفي الحديث : أن رمح النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه المثوي ، سمي به لأنه يثبت المطعون به من الثواء الإقامة . وأثويت بالمكان : لغة في ثويت ; قال الأعشى :


                                                          أثوى وقصر ليله ليزودا ومضى وأخلف من قتيلة موعدا

                                                          وأثويت غيري : يتعدى ولا يتعدى ، وثويت غيري تثوية . وفي التنزيل العزيز : قال النار مثواكم ; قال أبو علي : المثوى عندي في الآية اسم للمصدر دون المكان ; لحصول الحال في الكلام معملا فيها ، ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون موضعا أو مصدرا ؟ فلا يجوز أن يكون موضعا ; لأن اسم الموضع لا يعمل عمل الفعل لأنه لا معنى للفعل فيه ، فإذا لم يكن موضعا ثبت أنه مصدر ، والمعنى النار ذات إقامتكم ، أي : النار ذات إقامتكم فيها خالدين أي : هم أهل أن يقيموا فيها ، ويثووا خالدين . قال ثعلب : وفي الحديث عن عمر - رضي الله عنه - : أصلحوا مثاويكم ، وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم ، ولا تلثوا بدار معجزة ; قال : المثاوي هنا المنازل جمع مثوى ، والهوام الحيات والعقارب ، ولا تلثوا أي : لا تقيموا ، والمعجزة والمعجزة العجز . وقوله تعالى : إنه ربي أحسن مثواي أي : إنه تولاني في طول مقامي . ويقال للغريب إذا لزم بلدة : هو ثاويها . وأثواني الرجل : أضافني . يقال : أنزلني الرجل فأثواني ثواء حسنا . ورب البيت : أبو مثواه ; أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه أنشده قول الأعشى :


                                                          أثوى وقصر ليله ليزودا

                                                          قال شمر : أثوى عن غير استفهام ، وإنما يريد الخبر ; قال : ورواه ابن الأعرابي أثوى على الاستفهام ; قال أبو منصور : والروايتان تدلان على أن ثوى وأثوى معناهما أقام . وأبو مثوى الرجل : صاحب منزله . وأم مثواه : صاحبة منزله . ابن سيده : أبو المثوى رب البيت ، وأم المثوى ربته . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : أنه كتب إليه في رجل قيل له : متى عهدك بالنساء ؟ قال : البارحة . قيل : بمن ؟ قال : بأم مثواي . أي : ربة المنزل الذي بات فيه ، ولم يرد زوجته ; لأن تمام الحديث : فقيل له : أما عرفت أن الله قد حرم الزنا ، فقال : لا . وأبو مثواك : ضيفك الذي تضيفه . والثوي : بيت في جوف بيت . والثوي : البيت المهيأ للضيف . والثوي على فعيل : الضيف نفسه . وفي حديث أبي هريرة : أن رجلا قال : تثويته أي : تضيفته . والثوي : المجاور في الحرمين . والثوي : الصبور في المغازي المجمر وهو المحبوس . والثوي أيضا : الأسير ; عن ثعلب ، وكل هذا من الثواء . وثوي الرجل : قبر ; لأن ذلك ثواء ، لا أطول منه ، وقول أبي كبير الهذلي :

                                                          [ ص: 57 ]

                                                          نغدو فنترك في المزاحف من ثوى     ونمر في العرقات من لم نقتل

                                                          أراد بقوله من ثوى أي : من قتل فأقام هنالك . ويقال للمقتول : قد ثوى . ابن بري : ثوى أقام في قبره ; ومنه قول الشاعر :


                                                          حتى ظنني القوم ثاويا

                                                          وثوى : هلك ; قال كعب بن زهير :


                                                          فمن للقوافي شانها من يحوكها     إذا ما ثوى كعب وفوز جرول

                                                          وقال الكميت :


                                                          وما ضرها أن كعبا ثوى     وفوز من بعده جرول

                                                          وقال دكين :


                                                          فإن ثوى ثوى الندى في لحده

                                                          وقالت الخنساء :


                                                          فقدن لما ثوى نهبا وأسلابا

                                                          ابن الأعرابي : الثوى قماش البيت ، واحدتها ثوة ، مثل صوة وصوى ، وهوة وهوى . أبو عمرو : يقال للخرقة التي تبل وتجعل على السقاء إذا مخض لئلا ينقطع الثوة والثاية . والثوية : حجارة ترفع بالليل فتكون علامة للراعي إذا رجع إلى الغنم ليلا يهتدي بها ، وهي أيضا أخفض علم يكون بقدر قعدة الإنسان ; قال ابن سيده : وهذا يدل على أن ألف ثاية منقلبة عن واو ، وإن كان صاحب الكتاب يذهب إلى أنها عن ياء ; قال ابن السكيت : هذه ثاية الغنم ، وثاية الإبل مأواها ، وهي عازبة أو مأواها حول البيوت . الجوهري : والثوية مأوى الغنم ، وكذلك الثاية غير مهموز . قال ابن بري : والثية لغة في الثاية . ابن سيده : الثوة كالصوة ارتفاع وغلظ ، وربما نصبت فوقها الحجارة ليهتدى بها . والثوة : خرقة توضع تحت الوطب إذا مخض لتقيه الأرض . والثوة والثوي كلتاهما : خرق كهيئة الكبة على الوتد يمخض عليها السقاء لئلا ينخرق . قال ابن سيده : وإنما جعلنا الثوية من ( ث و و ) لقولهم في معناها ثوة كقوة ، ونظيره في ضم أوله ما حكاه سيبويه من قولهم السدوس . قال ابن بري : والثوة خرقة أو صوفة تلف على رأس الوتد يوضع عليها السقاء ويمخض وقاية له . وجمعها ثوى ; قال الطرماح :

                                                          رفاقا تنادي بالنزول كأنها بقايا الثوى وسط الديار المطرح والثاية والثاوة غير مهموز ، والثوية : مأوى الغنم والبقر . قال ابن سيده : وأرى الثاوة مقلوبة عن الثاية ، والثاية مأوى الإبل ، وهي عازبة أو حول البيوت . والثاية أيضا : أن تجمع شجرتان أو ثلاث فيلقى عليها ثوب فيستظل به ; عن ابن الأعرابي ، وجمع الثاية ثاي ; عن اللحياني . والثوية : موضع قريب من الكوفة . وفي الحديث ذكر الثوية ; هي بضم الثاء وفتح الواو وتشديد الياء ، ويقال بفتح الثاء وكسر الواو : موضع بالكوفة به قبر أبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة . والثاء : حرف هجاء ، وإنما قضينا على ألفه بأنها واو ; لأنها عين . وقافية ثاوية : على حرف الثاء ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية