الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولا تقعدوا بكل صراط أي طريق من الطرق الحسية توعدون أي تخوفون من آمن بالقتل كما نقل عن الحسن وقتادة ومجاهد وروي عن ابن عباس أن بلادهم كانت يسيرة وكان الناس يمتارون منهم فكانوا يقعدون على الطريق ويخوفون الناس أن يأتوا شعيبا ويقولون لهم إنه كذاب فلا يفتنكم عن دينكم .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون القعود على الصراط خارجا مخرج التمثيل كما فيما حكي عن قول الشيطان : لأقعدن لهم صراطك المستقيم أي ولا تقعدوا بكل طريق من طرق الدين كالشيطان وإليه يشير ما روي عن مجاهد أيضا والكلية مع أن دين الله الحق واحد باعتبار تشعبه إلى معارف وحدود وأحكام وكانوا إذا رأوا أحدا يشرع في شيء منها منعوه بكل ما يمكن من الحيل وقيل : كانوا يقطعون الطريق فنهوا عن ذلك وروي ذلك عن أبي هريرة وعبد الرحمن بن زيد ولعل المراد به ما يرجع إلى أحد القولين الأولين وإلا ففيه خفاء وإن قيل : إن في الآية عليه مبالغة في الوعيد وتغليظ ما كانوا يرومونه من قطع السبيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وتصدون عن سبيل الله أي الطريق الموصلة إليه وهي الإيمان أو السبيل الذي قعدوا عليه فوضع المظهر موضع المضمر بيانا لكل صراط دلالة على عظم ما تصدق عليه وتقبيحا لما كانوا عليه وقوله سبحانه : من آمن به مفعول تصدون على إعمال الأقرب لا توعدون خلافا لما يوهمه كلام الزمخشري إذ يجب عند الجمهور في مثل ذلك حينئذ إظهار ضمير الثاني ولا يجوز حذفه إلا في ضرورة الشعر فيلزم أن يقال : تصدونهم وإذا جعل تصدون بمعنى تعرضون يصير لازما ولا يكون مما نحن فيه وضمير ( به ) لله تعالى أو لكل صراط أو سبيل الله تعالى لأن السبيل يذكر ويؤنث كما قيل وجملة توعدون وما عطف عليه في موضع الحال من ضمير تقعدوا أي موعدين وصادين وقيل : هي على التفسير الأول استئناف بياني والأظهر ما ذكرنا وتبغونها عوجا أي وتطلبون لسبيل الله تعالى عوجا بإلقاء الشبه أو بوصفها للناس بما ينقصها وهي أبعد من شائبة الاعوجاج : وهذا إخبار فيه معنى التوبيخ وقد يكون تهكما بهم حيث طلبوا ما هو محال إذ طريق الحق لا يعوج وفي الكلام ترق كأنه قيل : ما كفاكم أنكم توعدون الناس على متابعة الحق وتصدونهم عن سبيل الله تعالى حتى تصفونه بالاعوجاج ليكون الصد بالبرهان والدليل وعلى ما روي عن أبي هريرة وابن زيد جاز أن يراد بتبغونها عوجا عيشهم في الأرض واعوجاج الطريق عبارة عن فوات أمنها .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الطيبي أن معنى هذا الطلب حينئذ معنى اللام في قوله سبحانه : ليكون لهم عدوا وحزنا وعلى [ ص: 179 ] سائر الأوجه في الكلام الحذف والإيصال .

                                                                                                                                                                                                                                      واذكروا إذ كنتم قليلا عددكم فكثركم فوفر عددكم بالبركة في النسل كما روي عن ابن عباس وحكي أن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت فرمى الله تعالى في نسلها البركة والنماء فكثروا وفشوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز الزجاج أن يكون المعنى إذ كنتم مقلين فقراء فجعلكم مكثرين موسرين أو كنتم أقلة أذلة فأعزكم بكثرة العدد والعدد و إذ مفعول ( اذكروا ) أو ظرف لمقدر كالحادث أو النعم أي اذكروا ذلك الوقت أو ما فيه وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين (86) أي آخر أمر من أفسد قبلكم من الأمم كقوم نوح وعاد وثمود واعتبروا بهم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية