الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما

قرأ أبي بن كعب : "يجازون" بألف، و "الغرفة" من منازل الجنة، وهي الغرف فوق الغرف، وهي اسم جنس، كما قال:


ولولا الحبة السمرا ء لم أحلل بواديكم



وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : "ويلقون" بضم الياء وفتح اللام وشد القاف، وهي قراءة أبي جعفر ، وشيبة ، والحسن ، وقرأ حمزة ، والكسائي ، وابن عامر ، وعاصم ، وطلحة ، ومحمد اليماني ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ويلقون" بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف، واختلف عن عاصم .

وقوله تعالى: قل ما يعبأ بكم ربي الآية. أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يخاطب بذلك، و "ما" تحتمل النفي، وتحتمل التقرير، والكلام في نفسه يحتمل تأويلات: أحدها أن تكون الآية إلى قوله: لولا دعاؤكم خطابا لجميع الناس، فكأنه قال لقريش منهم: [ ص: 465 ] ما يبالي الله بكم، ولا ينظر إليكم لولا عبادتكم إياه أن لو كانت، وذلك الذي يعبأ بالبشر من أجله، قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . وقال النقاش : المعنى: لولا استغاثتكم إليه في الشدائد، ونحو ذلك، فهو عرف الناس المرعي فيهم. وقرأ ابن الزبير وغيره: "فقد كذب الكافرون"، وهذا يؤيد أن الخطاب بـ ما يعبأ بكم هو لجميع الناس، ثم يقول لقريش : فأنتم قد كذبتم ولم تعبدوه، فسوف يكون العذاب أو يكون التكذيب الذي هو سبب العذاب- لزاما.

والثاني أن يكون الخطاب بالآيتين لقريش خاصة، أي: ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم الأصنام دونه، فإن ذلك يوجب تعذيبكم.

والثالث وهو قول مجاهد : ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم إلى شرعه، فوقع منكم الكفر والإعراض.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

والمصدر في هذا التأويل مضاف إلى المفعول، وفي الأولين مضاف إلى الفاعل، و "يعبأ" مشتق من العبء وهو من الثقل الذي يعبأ ويرتب كما يعبأ الجيش. قال ابن جني : قرأ ابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهما: "فقد كذب الكافرون"، قال الزهراوي : وهي قراءة ابن مسعود ، قال: وهي على التفسير.

وأكثر الناس على أن اللزام المشار إليه في هذا الموضع هو يوم بدر ، وهو قول أبي بن كعب ، وابن مسعود ، والمعنى: فسوف يكون جزاء التكذيب. وقالت فرقة: هو توعد بعذاب الآخرة. وقال ابن مسعود : اللزام هو التكذيب نفسه، أي: لا يعطون توبة، ذكره الزهراوي ، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضا: اللزام الموت، وهذا نحو القول ببدر ، وإن أراد به متأول الموت المعتاد في الناس عرفا فهو ضعيف، وقرأ جمهور الناس: "لزاما" بكسر اللام، من لوزم، وأنشد أبو عبيدة لصخر الغي :

[ ص: 466 ]

فإما ينجوا من حتف أرض     فقد لقيا حتوفهما لزاما



وقرأ أبو السمال : "لزاما" بفتح اللام، من لزم، والله أعلم.

كمل تفسير سورة الفرقان والحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

التالي السابق


الخدمات العلمية