الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ، لما أقام الله جل وعلا البرهان على البعث بقوله : أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا [ 19 \ 67 ] ، أقسم جل وعلا بنفسه الكريمة ، أنه يحشرهم - أي : الكافرين المنكرين للبعث - وغيرهم من الناس ، ويحشر معهم الشياطين الذين كانوا يضلونهم في الدنيا ، وأنه يحضرهم حول جهنم جثيا ، وهذان الأمران اللذان ذكرهما في هذه الآية الكريمة أشار إليهما في غير هذا الموضع ، أما حشره لهم ولشياطينهم فقد أشار إليه في قوله : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم [ 37 \ 22 - 23 ] ، [ ص: 475 ] على أحد التفسيرات ، وقوله : أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا [ 43 \ 38 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما إحضارهم حول جهنم جثيا ، فقد أشار له في قوله : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون [ 45 \ 28 ] ، وقوله في هذه الآية الكريمة : جثيا ، جمع جاث ، والجاثي : اسم فاعل : جثا يجثو جثوا ، وجثى يجثي جثيا : إذا جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه ، والعادة عند العرب : أنهم إذا كانوا في موقف ضنك وأمر شديد ، جثوا على ركبهم ، ومنه قول بعضهم :

                                                                                                                                                                                                                                      فمن للحماة ومن للكماة إذا ما الكماة جثوا للركب إذا قيل مات أبو مالك فتى المكرمات قريع العرب وكون معنى قوله : جثيا في هذه الآية ، وقوله : وترى كل أمة جاثية الآية [ 45 \ 28 ] ، أنه جثيهم على ركبهم هو الظاهر ، وهو قول الأكثر ، وهو الإطلاق المشهور في اللغة ; ومنه قول الكميت :


                                                                                                                                                                                                                                      هم تركوا سراتهم جثيا وهم دون السراة مقرنينا

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس في قوله في هذه الآية الكريمة : جثيا ، أن معناه : جماعات ، وعن مقاتل جثيا ، أي : جمعا جمعا ، وهو على هذا القول جمع " جثوة " مثلثة الجيم ، وهي الحجارة المجموعة والتراب المجموع ، فأهل الخمر يحضرون حول جهنم على حدة ، وأهل الزنى على حدة ; وأهل السرقة على حدة . ; وهكذا ، ومن هذا المعنى قول طرفة بن العبد في معلقته :


                                                                                                                                                                                                                                      ترى جثوتين من تراب عليهما     صفائح صم من صفيح منضد

                                                                                                                                                                                                                                      هكذا قال بعض أهل العلم ، ولكنه يرد عليه أن " فعلة " كجثوة ، لم يعهد جمعها على فعول كجثي ، وقرأ هذا الحرف حمزة والكسائي وحفص جثيا بكسر الجيم إتباعا للكسرة بعده وقرأ الباقون : " جثيا " بضم الجيم على الأصل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية