الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله : ( للملائكة )

قال أبو جعفر : والملائكة جمع ملأك ، غير أن أحدهم ، بغير الهمزة أكثر وأشهر في كلام العرب منه بالهمز ، وذلك أنهم يقولون في واحدهم : ملك من [ ص: 445 ] الملائكة ، فيحذفون الهمز منه ، ويحركون اللام التي كانت مسكنة لو همز الاسم . وإنما يحركونها بالفتح ، لأنهم ينقلون حركة الهمزة التي فيه بسقوطها إلى الحرف الساكن قبلها : فإذا جمعوا واحدهم ، ردوا الجمع إلى الأصل وهمزوا ، فقالوا : ملائكة .

وقد تفعل العرب نحو ذلك كثيرا في كلامها ، فتترك الهمز في الكلمة التي هي مهموزة ، فيجري كلامهم بترك همزها في حال ، وبهمزها في أخرى ، كقولهم : " رأيت فلانا " فجرى كلامهم بهمز " رأيت " ثم قالوا : " نرى وترى ويرى " فجرى كلامهم في " يفعل " ونظائرها بترك الهمز ، حتى صار الهمز معها شاذا ، مع كون الهمز فيها أصلا . فكذلك ذلك في " ملك وملائكة " جرى كلامهم بترك الهمز من واحدهم ، وبالهمز في جميعهم . وربما جاء الواحد مهموزا ، كما قال الشاعر :


فلست لإنسي ولكن لملأك تحدر من جو السماء يصوب



وقد يقال في واحدهم ، مألك ، فيكون ذلك مثل قولهم : جبذ وجذب ، وشأمل وشمأل ، وما أشبه ذلك من الحروف المقلوبة . غير أن الذي يجب إذا سمي واحدهم

" مألك " أن يجمع إذا جمع على ذلك " مآلك " ولست أحفظ جمعهم كذلك سماعا ، ولكنهم قد يجمعون : ملائك وملائكة كما يجمع أشعث أشاعث وأشاعثة ، ومسمع مسامع ومسامعة ، قال أمية بن أبي الصلت في جمعهم كذلك :


وفيهما من عباد الله قوم     ملائك ذللوا وهم صعاب



وأصل الملأك : الرسالة ، كما قال عدي بن زيد العبادي : [ ص: 446 ]


أبلغ النعمان عني ملأكا     إنه قد طال حبسي وانتظاري



وقد ينشد : مألكا ، على اللغة الأخرى ، فمن قال : ملأكا فهو مفعل ، من لأك إليه يلأك إذا أرسل إليه رسالة ملأكة ، ومن قال : مألكا فهو مفعل من ألكت إليه آلك : إذا أرسلت إليه مألكة وألوكا ، كما قال لبيد بن ربيعة :


وغلام أرسلته أمه     بألوك فبذلنا ما سأل



فهذا من " ألكت " ومنه قول نابغة بني ذبيان :


ألكني يا عيين إليك قولا     سأهديه ، إليك إليك عني

[ ص: 447 ]

وقال عبد بني الحسحاس :


ألكني إليها عمرك الله يا فتى     بآية ما جاءت إلينا تهاديا



يعني بذلك : أبلغها رسالتي . فسميت الملائكة ملائكة بالرسالة ، لأنها رسل الله بينه وبين أنبيائه ، ومن أرسلت إليه من عباده .

التالي السابق


الخدمات العلمية