الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) القسم الثاني من أقسام خطاب الوضع ( السبب ) وهو ( لغة ) أي في استعمال أهل اللغة ( ما توصل به إلى غيره ) قال الجوهري : السبب الحبل ، [ ص: 139 ] وكل شيء يتوصل به إلى أمر من الأمور . فقيل : هذا سبب ، وهذا مسبب عن هذا ( وشرعا ) أي : والسبب في عرف أهل الشرع ( ما يلزم من وجوده الوجود و ) يلزم ( من عدمه العدم لذاته ) فالأول : احتراز من الشرط . فإنه لا يلزم من وجوده الوجود .

والثاني : احتراز من المانع ; لأنه لا يلزم من عدمه وجود ولا عدم . والثالث : احتراز مما لو قارن السبب فقدان الشرط ، أو وجود المانع . كالنصاب قبل تمام الحول ، أو مع وجود الدين . فإنه لا يلزم من وجوده الوجود ، لكن لا لذاته ، بل لأمر خارج عنه ، وهو انتفاء الشرط ووجود المانع . فالتقييد بكون ذلك لذاته للاستظهار على ما لو تخلف وجود المسبب مع وجدان السبب لفقد شرط أو [ وجود ] مانع ، كمن به سبب الإرث ، ولكنه قاتل ، أو رقيق أو نحوهما ، وعلى ما لو وجد المسبب مع فقدان السبب ، لكن لوجود سبب آخر . كالردة المقتضية للقتل إذا فقدت ووجد قتل يوجب القصاص ، أو زنا محصن . فتخلف هذا الترتيب عن السبب لا لذاته ، بل لمعنى خارج . إذا تقرر هذا ( ف ) اعلم أن السبب ( يوجد الحكم عنده ، لا به ) وهو الذي يضاف إليه الحكم نحو قوله تعالى ( { أقم الصلاة لدلوك الشمس } ) .

و ( { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } ) ; إذ لله سبحانه وتعالى في دلوك الشمس حكمان . أحدهما : كون الدلوك سببا ، والآخر : وجوب الصلاة عنده . وكذلك لله تعالى في الزاني حكمان . أحدهما : وجوب الرجم . والثاني : كون الزنى الذي نيط به سببا . ولا شك أن الأسباب معرفات ، إذ الممكنات مستندة إلى الله تعالى ابتداء عند أهل الحق . وبين المعرف الذي هو السبب ، وبين الحكم الذي نيط به : ارتباط ظاهر . فالإضافة إليه واضحة ( ويراد به ) أي بالسبب في عرف الفقهاء أشياء . أحدها ( ما يقابل المباشرة . كحفر بئر مع تردية . فأول سبب . وثان علة ) فإذا حفر إنسان بئرا ، ودفع آخر إنسانا فتردى فيها فهلك . فالأول - وهو الحافر - متسبب إلى هلاكه .

والثاني - وهو الدافع - مباشر . فأطلق الفقهاء السبب على ما يقابل المباشرة . فقالوا : إذا اجتمع المتسبب والمباشر : غلبت المباشرة [ ص: 140 ] ووجب الضمان على المباشر ، وانقطع حكم التسبب . ومن أمثلته أيضا : لو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده . فالضمان على المتلقي بالسيف . ولو ألقاه في ماء مغرق فتلقاه حوت فابتلعه . فالضمان على الملقي ، لعدم قبول الحوت الضمان . وكذا لو ألقاه في زبية أسد . فقتله ( و ) الشيء الثاني مما يراد بلفظ السبب ( علة العلة كرمي هو سبب لقتل ، وعلة للإصابة التي هي علة للزهوق ) أي زهوق النفس الذي هو القتل . فالرمي هو علة علة القتل .

وقد سموه سببا ( و ) الشيء الثالث مما يراد بلفظ السبب ( العلة الشرعية بدون شرطها ك ) ملك ( نصاب بدون ) حولان ( الحول . و ) الشيء الرابع مما يراد بلفظ السبب العلة الشرعية ( كاملة ) وهي المجموع المركب من مقتضى الحكم وشرطه ، وانتفاء المانع ووجود الأهل والمحل ، سمي ذلك سببا استعارة ; لأن الحكم لم يتخلف عن ذلك في حال من الأحوال . كالكسر للانكسار ، وأيضا فإنما سميت العلة الشرعية الكاملة سببا ; لأن عليتها ليست لذاتها ، بل بنصب الشارع لها أمارة على الحكم ، بدليل وجودها دونه ، كالإسكار قبل التحريم ، ولو كان الإسكار علة للتحريم لذاته لم يتخلف عنه في حال ، كالكسر للانكسار في العقلية . والحال أن التحريم ووجوب الحد موجودان بدون ما لا يسكر . فأشبهت بذلك السبب ، وهو ما يحصل الحكم عنده لا به . فهو معرف للحكم لا موجب له لذاته ، وإلا لوجب قبل الشرع

التالي السابق


الخدمات العلمية