الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 1628 ] [ ص: 1629 ] الجزء الرابع عشر [ ص: 1630 ] [ ص: 1631 ] بسم الله الرحمن الرحيم

وبه أستعين

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

الحمد لله المتفضل علينا بالنعم الدائمة ، والأيادي الجميلة ظاهرة وباطنة ، سرا وعلانية ، حمد من يعلم أن مولاه الكريم يحب الحمد ، فله الحمد على كل حال ، وصلى الله على سيد الأولين والآخرين ، ذاك محمد رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين ، وأصحابه المنتجبين ، وأزواجه أمهات المؤمنين .

أما بعد :

فإنه مما يسر الله الكريم لي من رسم كتاب "الشريعة" يسر لي أن رسمت فيه من فضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأذكر بعد ذلك فضائل صحابته رضي الله عنهم ، الذين اختارهم الله عز وجل له ، فجعلهم وزراءه وأصهاره وأنصاره والخلفاء من بعده في أمته ، وهم المهاجرون والأنصار الذين نعتهم الله عز وجل في كتابه بأحسن النعت ، ووصفهم بأجمل الوصف ، وأخبرنا عز وجل في كتابه أنه نعتهم في التوراة والإنجيل بأحسن النعت ، ووصفهم بأجمل الوصف ، ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) .

فأما المهاجرون رضي الله عنهم ، فإنهم آمنوا بالله وبرسوله ، وصدقوا الإيمان بالعمل ، صبروا مع النبي صلى الله عليه وسلم في كل شدة ، آثروا الذل في الله عز وجل [ ص: 1632 ] على العز في غير الله ، وآثروا الجوع في الله عز وجل على الشبع في غير الله ، عادوا في الله عز وجل القريب والبعيد ، وهاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وفارقوا الآباء والأبناء والأهل والعشائر ، وتركوا الأموال والديار وخرجوا فقراء ، كل ذلك محبة منهم لله تبارك وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، كان الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم آثر عندهم من جميع من ذكرناه بإيمان صادق ، وعقول مؤيدة ، وأنفس كريمة ، ورأي سديد ، وصبر جميل ، بتوفيق من الله عز وجل ( رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) .

وأما الأنصار رضي الله عنهم ، فهم قوم اختارهم الله عز وجل لنصرة دينه واتباع نبيه ، فآمنوا به بمكة ، وبايعوه ، وصدقوا في بيعتهم إياه فأحبوه ، ونصروه ، واتبعوا النور الذي أنزل معه ، وأرادوا أن يخرجوه معهم إلى المدينة محبة منهم له ، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم ، تركه إلى وقت ، ثم خرجوا إلى المدينة فأخبروا إخوانهم بإيمانهم فآمنوا وصدقوا ، فلما هاجر إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، استبشروا بذلك ، وسروا بقدومه عليهم ، فأكرموه ، وعظموه ، وعلموا أنها نعمة من الله عز وجل عليهم ، ثم قدم المهاجرون بعدهم ، ففرحوا بقدومهم ، وأكرموهم بأحسن الكرامة ، ووسعوا لهم الديار ، وآثروهم على الأهل ، والأولاد ، وأحبوهم حبا شديدا ، وصاروا إخوة في الله عز وجل ، وتألفت القلوب بتوفيق من المحبوب بعد أن كانوا أعداء .

قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم [ ص: 1633 ] ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) ثم قال عز وجل للجميع : ( واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) .

فأجمعوا جميعا على محبة الله عز وجل ، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى المعاونة على نصرته ، والسمع والطاعة له في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، فنعت الله عز وجل المهاجرين ، والأنصار في كتابه في غير موضع منه بكل نعت حسن جميل ، ووعدهم الجنة خالدين فيها أبدا ، وأخبرنا أنه قد رضي عنهم ورضوا عنه ، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون .

فإن قال قائل : فاذكر لنا من كتاب الله عز وجل ما يدل على ما قلت .

قيل له : لا يسعنا أن ننطق بشيء إلا بما وافق الكتاب والسنة، وأقاويل الصحابة رضي الله عنهم .

وسأذكر لك من ذلك ما يقر الله الكريم به أعين المؤمنين ، ويسخن به أعين المنافقين ، والله الموفق لما قصدنا له ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . [ ص: 1634 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية