الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم

                                                                                                          621 حدثنا زياد بن أيوب البغدادي وإبراهيم بن عبد الله الهروي ومحمد بن كامل المروزي المعنى واحد قالوا حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض فقرنه بسيفه فلما قبض عمل به أبو بكر حتى قبض وعمر حتى قبض وكان فيه في خمس من الإبل شاة وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين فإذا زادت ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإذا زادت ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت فجذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون وفي الشاء في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت فشاتان إلى مائتين فإذا زادت فثلاث شياه إلى ثلاث مائة شاة فإذا زادت على ثلاث مائة شاة ففي كل مائة شاة شاة ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ أربع مائة ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب وقال الزهري إذا جاء المصدق قسم الشاء أثلاثا ثلث خيار وثلث أوساط وثلث شرار وأخذ المصدق من الوسط ولم يذكر الزهري البقر وفي الباب عن أبي بكر الصديق وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده وأبي ذر وأنس قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسن والعمل على هذا الحديث عند عامة الفقهاء وقد روى يونس بن يزيد وغير واحد عن الزهري عن سالم بهذا الحديث ولم يرفعوه وإنما رفعه سفيان بن حسين

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا زياد بن أيوب البغدادي ) الطوسي الأصل أبو هاشم ، يلقب دلويه ، وكان يغضب منها ، ولقبه أحمد شعبة الصغير ثقة حافظ ، وروى عنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي ( وإبراهيم بن عبد الله الهروي ) أبو عبد الله نزيل بغداد ، قال الدارقطني : ثقة ثبت ، وضعفه أبو داود وغيره لوقفه في القرآن ( ومحمد بن كامل المروزي ) ثقة من صغار العاشرة ( المعنى واحد ) أي ألفاظهم مختلفة والمعنى واحد ( أخبرنا عباد بن العوام ) بن عمر الكلابي [ ص: 203 ] مولاهم أبو سهل الواسطي ثقة من الثامنة ( عن سفيان بن حسين ) الواسطي ثقة في غير الزهري باتفاقهم ، كذا في التقريب ، وقال في الميزان : قال عثمان بن سعيد : سألت يحيى عنه فقال : ثقة وهو ضعيف الحديث عن الزهري ، وقال ابن عدي : سمعت أبا يعلى يقول : قيل لابن معين : حدث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه في الصدقات؟ فقال : لم يتابعه عليه أحد ليس يصح ، انتهى . قلت : بل تابعه عليه سليمان بن كثير كما ستقف عليه في كلام المنذري .

                                                                                                          قوله : ( فقرنه بسيفه ) أي كتب كتاب الصدقة فقرنه بسيفه لإرادة أن يخرجه إلى عماله فلم يخرجه حتى قبض ، ففي العبارة تقديم وتأخير ، قال أبو الطيب للسندي : وفيه إشارة إلى أن من منع ما في هذا يقاتل بالسيف ، وقد وقع المنع والقتال في خلافة الصديق -رضي الله تعالى عنه- وثباته على القتال مع مدافعة الصحابة أولا يشير إلى أنه فهم الإشارة ، قال هذا من فوائد بعض المشايخ ، انتهى .

                                                                                                          ( وكان فيه ) أي في كتاب الصدقة ( ثلاث شياه ) جمع شاة ( وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين ) استدل به على أنه لا يجب فيما بين العدد شيء غير بنت مخاض خلافا لمن قال كالحنفية تستأنف الفريضة فيجب في كل خمس من الإبل شاة ، مضافة إلى بنت المخاض قاله الحافظ في الفتح .

                                                                                                          قلت : لعله أراد بالحنفية بعضهم ، وإلا ففي الهداية وشرح الوقاية وغيرهما من كتب الفقه الحنفي المعتبرة مصرح بخلافه موافقا لما في الحديث . وبنت مخاض بفتح الميم والمعجمة الحفيفة وآخره معجمة ، هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها ، والماخض الحامل أي دخل وقتها وإن لم تحمل ( ففيها بنت لبون ) بفتح اللام هي التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة سميت بها لأن أمها تكون لبونا أي ذات لبن ترضع به أخرى غالبا ( ففيها حقة ) بكسر الحاء وتشديد القاف هي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ، سميت بها لأنها استحقت أن تركب وتحمل ويطرقها الجمل ( ففيها جذعة ) بفتح [ ص: 204 ] الجيم والذال المعجمة هي التي أتت عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة ، سميت بها لأنها تجذع أي تقلع أسنان اللبن ( فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون ) فواجب مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة ، وواجب مائة وأربعين بنت لبون وحقتان وهكذا .

                                                                                                          قال في المرقاة : قال القاضي : دل الحديث على استقراء الحساب بعدما جاوز العدد المذكور يعني أنه إذا زاد الإبل على مائة وعشرين لم تستأنف الفريضة . وهو مذهب أكثر أهل العلم ، وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة : تستأنف ، فإذا زادت على المائة والعشرين خمس لزم حقتان وشاة ، وهكذا إلى بنت مخاض وبنت لبون على الترتيب السابق انتهى ( وفي الشاء في كل أربعين شاة شاة ) قال أبو الطيب السندي : المراد عموم الحكم لكل أربعين شاة بالنظر إلى الأشخاص أي في أربعين شاة شاة كائنة لمن كان ، وأما بالنظر إلى شخص واحد ففي أربعين شاة ، ولا شيء بعد ذلك حتى تزيد على عشرين ومائة ، انتهى .

                                                                                                          ( ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة ) بالنصب على أنه مفعول لأجله والفعلان على بناء المفعول ، وفي رواية البخاري خشية الصدقة .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : قال مالك في الموطأ : معنى هذا الحديث أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيه الزكاة فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة ، أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان ، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة واحدة . وقال الشافعي : هو خطاب لرب المال من جهة ، وللساعي من جهة ، فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئا من الجمع والتفريق خشية الصدقة ، فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل ، والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر ، فمعنى قوله : " خشية الصدقة " أي خشية أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة ، فلما كان محتملا للأمرين ، لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الآخر ، فحمل عليهما معا ، لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر ، والله أعلم . انتهى .

                                                                                                          ( وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية ) يريد أن المصدق إذا أخذ من أحد الخليطين ما وجب أو بعضه من مال أحدهما ، فإنه يرجع المخالط الذي أخذ منه الواجب أو بعضه بقدر حصة الذي خالطه [ ص: 205 ] من مجموع المالين مثلا في المثلي ؛ كالثمار أو الحبوب ، وقيمته في المقوم كالإبل والبقر والغنم ، فلو كان لكل منهما عشرون شاة رجع الخليط على خليطه بقيمة نصف شاة لا بنصف شاة لأنها غير مثلية ، ولو كان لأحدهما مائة وللآخر مائة ، فأخذ الساعي الشاتين الواجبتين من صاحب المائة رجع بثلث قيمتها أو من صاحب الخمسين ، رجع بثلثي قيمتها ، أو من كل واحد شاة رجع صاحب المائة بثلث قيمة شاته ، وصاحب الخمسين بثلثي قيمة شاته . كذا في إرشاد الساري للقسطلاني ( ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ) بفتح الهاء وكسر الراء ، الكبيرة التي سقطت أسنانها ( ولا ذات عيب ) أي معيبة ، واختلف في ضبطه ، فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع ، وقيل : ما يمنع الإجزاء في الأضحية ، ويدخل في المعيب المريض والذكورة بالنسبة إلى الأنوثة ، والصغير سنا بالنسبة إلى سن أكبر منه ، قاله الحافظ ( إذا جاء المصدق ) بتخفيف الصاد وكسر الدال المشددة عامل الصدقة ، أي إذا جاء العامل عند أرباب المال لأخذ الصدقة .

                                                                                                          قوله : ( وفي هذا الباب عن أبي بكر الصديق ) أخرجه البخاري وأحمد بطوله ( وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده ) أخرجه أحمد في مسنده

                                                                                                          قوله : ( وإنما رفعه سفيان بن حسين ) قال الحافظ في الفتح : وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري ، وقد خالفه من هو أحفظ منه في الزهري فأرسله ، انتهى .

                                                                                                          وقال المنذري وسفيان بن حسين : أخرج له مسلم ، واستشهد به البخاري إلا أن حديثه عن الزهري فيه مقال ، وقد تابع سفيان بن حسين على رفعه سليمان بن كثير وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه . وقال الترمذي في كتاب العلل : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال : أرجو [ ص: 206 ] أن يكون محفوظا ، وسفيان بن حسين صدوق ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية