الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6748 [ ص: 509 ] 20 - باب: موعظة الإمام للخصوم

                                                                                                                                                                                                                              7169 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن زينب ابنة أبي سلمة ، عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار " . [انظر : 2458 - مسلم : 1713 - فتح: 13 \ 157 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار " .

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث سلف في المظالم ، وأوائل كتاب الحيل ، وأم سلمة اسمها : هند ، وهي ابنة عم أبي جهل ، ماتت سنة (تسع وخمسين ) وهي أول ظعينة دخلت المدينة .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى : ألحن بحجته : أفطن لها وأجدل . وقال ابن حبيب : أنطق وأقوى مأخوذ من قوله تعالى ولتعرفنهم في لحن القول [محمد : 30 ] أي : نطق القول .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل معناه : أن يكون أحدهما أعلم بمواقع الحجج وأهدى لإيرادها ولا يخلطها بغيرها .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد : اللحن -بفتح الحاء - الفطن ، وبالإسكان للخطأ في [ ص: 510 ] القول . ويؤيده روايته في كتاب المظالم بلفظ : "أبلغ من بعض " ، ويأتي بعد أيضا ، وذكر ابن سيده : لحن الرجل لحنا : تكلم بلغته ، ولحن له (يلحن ) لحنا : قال له قولا يفهمه عنه ويخفى على غيره ، وألحنه القول أفهمه إياه ، فلحنه لحنا : فهمه ، ولحنه [غنى لحنا ] عن كراع كذلك ، وهي قليلة ، والأول أعرف ، ورجل لحن : عالم بعواقب الكلام ظريف ، ولحن لحنا : فطن لحجته وانتبه لها ، ولاحن الناس : فاطنهم . ومنه قول عمر بن عبد العزيز : عجبت لمن لاحن الناس ولاحنوه ، كيف لا يعرف جوامع الكلم ، ورجل لاحن الناس ولاحنوه لا غير : إذا صرف كلامه عن جهته ، ولا يقال : لحان . وعرف ذلك في لحن كلامه ، أي : فيما يميل إليه ، وفي التنزيل ولتعرفنهم في لحن القول [محمد : 30 ] وفي "جامع القزاز " عن الخليل إن ترك الصواب يجوز فيه التحريك . وأنكره بعضهم ، وقال غيره : بالسكون يكون : إزالة الشيء عن جهته وفي الخطأ ، وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                              منطق صائب وبلحن أحيا نا وخير الحديث ما كان لحنا



                                                                                                                                                                                                                              فهنا في اللحن التعميم وإزالته عن وجهه ، ولذلك جعله خير الحديث ؛ لأنه إنما يعلمه من يفطن له وليس كالذي يعلمه كل سامع .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 511 ] ومعنى (صائب ) في هذا ، أي : من صاب يصوب . أي : هو غزير كثير متين . وقيل : إنما يريد هنا اللحن الذي هو إزالة الإعراب ؛ لأن الجارية ليستملح منها ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ثعلب : اللحن قبيح من كل أحد . قال معاوية : كيف ابن زياد فيكم ؟ قالوا : ظريف على أنه يلحن ، قال : فذلك أظرف له ، ذهب معاوية إلى اللحن الذي هو الفطنة ، وذهبوا هم إلى اللحن الذي هو الخطأ . وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : تعلموا الفرائض [والسنن ] واللحن كما تعلمون القرآن . قيل : أراد اللغة ، وقيل : أراد الخطأ ؛ لأن من تعلم الخطأ فقد تعلم الصواب ، والعرب تقول : هذا لحن بني فلان إنما تريد لغتهم ، ومنه قول عمر - رضي الله عنه - في أبي بن كعب : وإنما أرغب عن كثير من لحنه . يريد : لغته . قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                              وما هاج هذا الشوق إلا حمامة تغنت على خضراء سمر قيودها
                                                                                                                                                                                                                              صدوح الضحى معروفة اللحن لم تزل تقود الهوى من مسعد ويقودها



                                                                                                                                                                                                                              والجمع : لحون ، (وقوله : رددن لحونا ذات ألوان ، يريد : عندهم لغات ) .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 512 ] وقيل : اللحن هنا (ضروب ) الأصوات الموضوعة ، فلذلك يقولون : لحن في قراءته إذا قرأ بتطريب .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              فيه ما ترجم له أنه ينبغي للحاكم أن يعظ الخصمين ويحذر من المظالم ومطالبة الباطل ؛ لأنه - عليه السلام - وعظ أمته بقوله هذا .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : "إنما أنا بشر " على معنى الإقرار على نفسه بصفة البشرية من أنه لا يعلم (من ) الغيب إلا ما أعلمه الله منه .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : "إنكم تختصمون إلي " يريد -والله أعلم - وأنا لا أعرف (المحق ) منكم من المبطل حتى يتميز المحق منكم من المبطل ؛ فلا يأخذ المبطل ما نعطيه .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : "فأقضي له بنحو ما أسمع " وفي رواية : "فأتي بذلك " . وهذا يقتضي أن الحاكم مأمور بأن يقضي بما يقر به الخصم عنده .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : "فمن قضيت له " . هو خطاب للمقضي له ؛ لأنه يعلم من نفسه هل هو محق أومبطل ؟ فيبين له أنه لا يعتبر بالحكم ؛ لأن الحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              فيه : أن القاضي لا يقضي بعلمه . وفيه نظر ، وذلك أنه إذا علم شيئا [ ص: 513 ] لا يمكنه أن يقضي بخلافه ، بل يرفع ما علمه إلى غيره ، أو لا يحكم بظاهر قول الخصم إلا إذا لم يكن عنده علم بالمحق منهما ، ومن قال : يقضي بعلمه ، فإنه ينفذ ما علمه من غير التفات إلى قول الخصم .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية