الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الثامن والأربعون والمائتان بين قاعدة ما خرج عن المساواة والمماثلة في القصاص وبين قاعدة ما بقي على المساواة ) . اعلم أن القصاص أصله من القص الذي هو المساواة ؛ لأن من قص شيئا من شيء بقي بينهما سواء من الجانبين فهو شرط إلا أن يؤدي إلى تعطيل القصاص قطعا أو غالبا ، وله مثل أحدها التساوي في أجزاء الأعضاء وسمك اللحم في الجاني لو اشترط لما حصل إلا نادرا بخلاف الجراحات في الجسد وثانيهما التساوي في منافع الأعضاء وثالثها العقول ورابعها الحواس وخامسها قتل الجماعة بالواحد وقطع الأيدي باليد لو اشترطت الواحدة لتساوي الأعداد ببعضهم وسقط القصاص ، السادس الحياة اليسيرة كالشيخ الكبير مع الشاب ، ومنفوذ المقاتل على الخلاف ، السابع تفاوت الصنائع والمهارة [ ص: 190 ] فيها .

وهاهنا ثلاث مسائل . ( المسألة الأولى ) : قتل الجماعة بالواحد إذا قتلوه عمدا وتعاونوا على قتله بالحرابة أو غيرها حتى يقتل عندنا الناظور ووافقنا الشافعي وأبو حنيفة ، ومشهور أحمد بن حنبل في قتل الجماعة بالواحد من حيث الجملة وعن أحمد وجماعة من التابعين والصحابة أن عليهم الدية وعن الزهري وجماعة أنه يقتل منهم واحد وعلى الباقي حصصهم من الدية ؛ لأن كل واحد مكافئ له فلا يستوي إبدال في مبدل منه واحد كما لا تجب ديات ولقوله تعالى { الحر بالحر } ولقوله تعالى { النفس بالنفس } ؛ ولأن تفاوت الأوصاف يمنع كالحر والعبد فالعدد أولى بالمنع لنا إجماع الصحابة على قتل عمر سبعة من أهل صنعاء برجل واحد وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به وقتل علي ثلاثة وهو كثير ، ولم يعرف لهم مخالف في ذلك الوقت ؛ ولأنها عقوبة كحد القذف وتفارق الدية فإنها تتبعض دون القصاص ؛ لأن الشركة لو أسقطت القصاص كان ذلك ذريعة للقتل .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الخمسون والمائتان بين قاعدة ما خرج عن المساواة والمماثلة في القصاص وبين قاعدة ما بقي على المساواة ) وهو أن ما خرج القصاص عن المساواة والمماثلة فيه هو ما يؤدي اشتراط المساواة فيه إلى تعطيل القصاص قطعا أو غالبا ، وله مثل أحدها أجزاء الأعضاء وسمك اللحم في الجاني إذ لو اشترط التساوي فيها لما حصل القصاص إلا نادرا وثانيها منافع الأعضاء وثالثها العقول ورابعها قلت إذ لو اشترط التساوي في هذه الثلاثة لما حصل القصاص أصلا أو لما حصل إلا نادرا وخامسها قتل الجماعة بالواحد وقطع الأيدي باليد الواحدة إذ لو اشترطت الواحدة لتساوي الأعداء ببعضهم وسقط القصاص وسادسها الحياة اليسيرة كالشيخ الكبير مع الشاب ، ومنفوذ المقاتل على الخلاف وسابعها تفاوت الصنائع والمهارة فيها .

قلت إذ لو اشترط التساوي في هذين لما حصل القصاص أصلا أو لما حصل إلا نادرا ، وما بقي القصاص فيه على المساواة والمماثلة هو ما لا يؤدي اشتراط المساواة فيه إلى ذلك كالجراحات في الجسد فيجري على الأصل في القصاص فإن أصله من القص الذي هو المساواة ؛ لأن من قص شيئا من شيء بقي بينهما سواء من الجانبين فمن ثم قال السيد الجرجاني في تعريفاته القصاص هو أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل ا هـ .

وهاهنا ثلاث مسائل . ( المسألة الأولى ) في قتل الجماعة بالواحد أربعة أقوال للعلماء القول الأول لمالك والشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم قتلهم به إذا قتلوه عمدا أو تعاونوا على قتله بالحرابة وغيرها حتى يقتل الناظور . وعمدتهم أمور : الأول إجماع الصحابة على قتل عمر سبعة من أهل صنعاء برجل واحد وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به وقتل علي ثلاثة ، وهو كثير ، ولم يعرف مخالف في ذلك الوقت الثاني أنها عقوبة تجب للواحد على الجماعة كما تجب له على الواحد كحد القذف وتفارق الدية فإنها تتبعض دون القصاص [ ص: 214 ] والثالث أن الشركة لو أسقطت القصاص كان ذلك ذريعة للقتل ، القول الثاني وهو مشهور أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه قتلهم به من حيث الجملة ففي الإقناع وتقتل الجماعة بالواحد إذا كان فعل كل واحد منهم صالحا للقتل به ، وإلا فلا ، ما لم يتواطئوا على ذلك أي الفعل ليقتلوه به فعليهم القصاص لئلا يتخذ ذريعة إلى درء القصاص ؛ ولأنه لو لم يشرع في الجماعة بالواحد لبطلت حكمة مشروعيته التي في قوله تعالى : { ولكم في القصاص حياة } بزيادة من كشاف قناعه .

القول الثالث لأحمد وجماعة من الصحابة والتابعين أن عليهم الدية ، القول الرابع للزهري وجماعة يقتل واحد منهم وعلى الباقي حصصهم من الدية ؛ لأن كل واحد مكافئ له فلا يستوي إبدال في مبدل منه واحد كما لا تجب ديات ولقوله تعالى { الحر بالحر } ولقوله تعالى { النفس بالنفس } ولأن تفاوت الأوصاف يمنع كالحر والعبد فالعدد أولى بالمنع .




الخدمات العلمية