[ ص: 386 ] أبواب صلاة الكسوف .
باب النداء لها وصفتها
1323 - ( عن رضي الله عنه قال : { عبد الله بن عمرو : ما ركعت ركوعا قط ولا سجدت سجودا قط ، كان أطول منه عائشة } ) . لما كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نودي أن الصلاة جامعة ، فركع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين في سجدة ، ثم قام فركع ركعتين في سجدة ، ثم جلي عن الشمس قالت
1324 - ( وعن رضي الله عنها قالت : { عائشة } ) . خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث مناديا : الصلاة جامعة ، فقام فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات
1325 - ( وعن رضي الله تعالى عنهاقالت : { عائشة } ) خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، فقام فكبر وصف الناس وراءه ، فاقترأ قراءة طويلة ، ثم كبر فركع ركوعا طويلا هو أدنى من القراءة الأولى ، ثم رفع رأسه فقال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ، ثم كبر فركع ركوعا هو أدنى من الركوع الأول ، ثم قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ثم سجد ، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات ، وأربع سجدات ، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف ، ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة
1326 - ( وعن رضي الله عنهما قال : { ابن عباس } متفق على هذه الأحاديث ) . خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة ، ثم ركع ركوعا طويلا ، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع [ ص: 387 ] الأول ، ثم سجد ، ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد ، ثم انصرف وقد تجلت الشمس فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله
أبواب صلاة الكسوف
التالي
السابق
قوله : ( لما كسفت الشمس ) .
الكسوف لغة : التغير إلى سواد ، ومنه كسف في وجهه ، وكسفت الشمس : اسودت وذهب شعاعها . قال في الفتح : والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر ، واختاره ثعلب ، وذكر . : أنه أفصح ، وقيل : يتعين ذلك . وحكى الجوهري عياض عن بعضهم عكسه وغلطه لثبوته بالخاء في القمر في القرآن وقيل : يقال بهما في كل منهما ، وبه جاءت الأحاديث . قال الحافظ : ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف ; لأن الكسوف التغير إلى سواد ، والخسوف النقصان أو الذل . قال : ولا يلزم من ذلك أنهما مترادفان . وقيل : بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء . وقيل : بالكاف لذهاب جميع الضوء ، وبالخاء لبعضه . وقيل : بالخاء لذهاب كل اللون ، وبالكاف لتغيره انتهى . وقد روي عن عروة أنه قال : لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا : خسفت .
قال في الفتح : وهذا موقوف صحيح رواه عنه . وأخرجه سعيد بن منصور عن مسلم يحيى بن يحيى عنه ، لكن الأحاديث الصحيحة المذكورة في الباب وغيرها ترد ذلك قوله : ( ركعتين في سجدة ) المراد بالسجدة هنا الركعة بتمامها ، وبالركعتين الركوعان وهو موافق لروايتي عائشة . وابن عباس
قوله : ( قالت ) الراوي لذلك عنها هو عائشة ويحتمل أن يكون أبو سلمة فيكون من رواية صحابي عن صحابية . قال في الفتح : ووهم من زعم أنه معلق ، فقد أخرجه عبد الله بن عمرو مسلم وغيرهما من رواية وابن خزيمة عن أبي سلمة ، وفيه قول عبد الله بن عمرو هذا قوله : ( ما ركعت . . . إلخ ) ذكر الركوع عائشة ، لمسلم اقتصر على ذكر السجود ، وقد ثبت طول الركوع والسجود في الكسوف في أحاديث كثيرة منها المذكورة في الباب ومنها عن والبخاري من وجه آخر عند عبد الله بن عمرو . وعن النسائي عنده . وعن أبي هريرة أبي موسى عند الشيخين . وعن سمرة عند أبي داود وعن والنسائي وعن جابر وسيأتيان وإلى مشروعية التطويل في الركوع والسجود في أسماء كما يطول القيام ذهب صلاة الكسوف أحمد وإسحاق في أحد قوليه ، وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه ، واختاره والشافعي ابن سريج قوله : ( خسفت الشمس ) [ ص: 388 ] بالخاء المعجمة وقد تقدم بيان معنى الخسوف قوله : ( وصف الناس ) برفع ( الناس ) : أي اصطفوا ، يقال صف القوم : إذ صاروا صفا ، ويجوز النصب ، والفاعل ضمير يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ( وانجلت الشمس قبل أن ينصرف ) فيه أن الانجلاء وقع قبل انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قوله : ( ثم قام فخطب الناس ) فيه استحباب . الخطبة بعد صلاة الكسوف
وقال صاحب الهداية من الحنفية : ليس في الكسوف خطبة ; لأنه لم ينقل . وتعقب بأن الأحاديث وردت بذلك وهي ذات كثرة كما قال الحافظ . والمشهور عند المالكية أنه لا خطبة في الكسوف مع أن روى الحديث وفيه ذكر الخطبة . مالكا
وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد لها الخطبة بخصوصها ، وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس . وتعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بها وحكاية شرائطها من الحمد والثناء وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث ، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف ، والأصل مشروعية الاتباع ، والخصائص لا تثبت إلا بدليل .
وقد ذهب إلى عدم استحباب الخطبة في الكسوف مع مالك والعترة ، قوله : ( لا ينخسفان ) في رواية " يخسفان " بدون نون كما سيأتي في حديث أبو حنيفة ، قوله : ( لموت أحد ) إنما قال صلى الله عليه وسلم كذلك ; لأن ابنه ابن عباس إبراهيم مات ، فقال الناس : إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم ولأحمد والنسائي وصححه وابن ماجه ابن خزيمة من حديث وابن حبان النعمان بن بشير قال : { } الحديث . كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج فزعا يجر ثوبه حتى أتى المسجد ، فلم يزل يصلي حتى انجلت ، فلما انجلت قال : إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء وليس كذلك
وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب . قال : كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير الأرض من موت أو ضرر ، فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل ، وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله تعالى ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما ، قوله : ( ولا لحياته ) استشكلت هذه الزيادة ; لأن السياق إنما ورد في حق من ظن أن ذلك لموت الخطابي إبراهيم ولم يذكروا الحياة .
قال في الفتح : والجواب أن فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول : لا يلزم من نفي كونه سببا للفقد أن لا يكون سببا للإيجاد ، فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم ، قوله : ( فإذا رأيتموهما ) أكثر الروايات بصيغة ضمير المؤنث ، والمراد رأيتم كسوف كل واحد في وقته لاستحالة اجتماعهما في وقت واحد ، قوله : ( فافزعوا ) بفتح الزاي : أي التجئوا أو توجهوا .
وفيه إشارة إلى المبادرة وأنه لا معين ; لأن الصلاة علقت برؤية الشمس أو القمر ، وهي ممكنة في كل وقت ، وبهذا قال وقت لصلاة الكسوف ومن تبعه . [ ص: 389 ] واستثنت الحنفية أوقات الكراهة وهو مشهور مذهب الشافعي ، وعن المالكية : وقتها من وقت حل النافلة إلى الزوال . أحمد
وفي رواية " إلى صلاة العصر " . ورجح الأول بأن المقصود إيقاع هذه العبادة قبل الانجلاء ، وقد اتفقوا على أنها لا تقضى بعده ، فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله فيفوت المقصود . قال في الفتح : ولم أقف على شيء من الطرق مع كثرتها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها إلا ضحى لكن ذلك وقع اتفاقا فلا يدل على منع ما عداه ، واتفقت الطرق على أنه بادر إليها انتهى .
قوله : ( نحوا من سورة البقرة ) فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر بالقراءة . قوله : ( وهو دون القيام الأول ) فيه أن القيام الأول من الركعة الأولى أطول من القيام الثاني منها ، وكذا الركوع الأول والثاني منها لقوله : " وهو دون الركوع الأول " . قال النووي : اتفقوا على أن القيام الثاني وركوعه فيهما أقصر من القيام الأول وركوعه فيهما ، قوله : ( ثم سجد ) أي سجدتين . قوله : ( ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ) فيه دليل لمن قال : إن القيام الأول من الركعة الثانية يكون دون القيام الثاني من الركعة الأولى .
وقد قال ابن بطال : إنه لا خلاف أن الركعة الأولى بقيامها وركوعها تكون أطول من الركعة الثانية بقيامها وركوعها ، قوله : ( ثم رفع فقام قياما طويلا . . . إلخ ) فيه أنه يشرع تطويل القيامين والركوعين في الركعة الآخرة ، وقد ورد تقدير القيام في الثانية بسورة آل عمران كما في سنن أبي داود .
وفيه أيضا أن القيام الثاني دون الأول كما في الركعة الأولى ، وكذلك الركوع ، وقد تقدمت حكاية النووي للاتفاق على ذلك . والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أن المشروع في . وقد اختلف العلماء في صفتها بعد الاتفاق على أنها سنة غير واجبة كما حكاه صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان النووي في شرح مسلم والمهدي في البحر وغيرهما .
فذهب مالك والشافعي والجمهور إلى أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان ، وهي الصفة التي وردت بها الأحاديث الصحيحة المذكورة في الباب وغيرها . وحكي في البحر عن وأحمد العترة جميعا أنها ركعتان في كل ركعة خمسة ركوعات . واستدلوا له بحديث أبي بن كعب وسيأتي . وقال أبو حنيفة والثوري : إنها ركعتان كسائر النوافل في كل ركعة ركوع واحد ، وحكاه والنخعي النووي عن الكوفيين .
واستدلوا بحديث النعمان وسمرة الآتيين . وقال : في كل ركعة ثلاثة ركوعات . واستدل بحديث حذيفة جابر وابن عباس وستأتي . قال وعائشة النووي : وقد قال بكل نوع جماعة من الصحابة .
وحكى النووي عن أنه قال : أصح ما في الباب ركوعان ، وما خالف ذلك فمعلل أو ضعيف ، وكذا قال ابن عبد البر ونقل صاحب الهدي عن البيهقي الشافعي وأحمد أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة ; لأن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض . والبخاري
[ ص: 390 ] ويجمعها أن ذلك كان يوم موت إبراهيم ، وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح ، ولا شك أن أحاديث الركوعين أصح . قال في الفتح : وجمع بعضهم بين هذه الأحاديث بتعدد الواقعة ، وأن الكسوف وقع مرارا فيكون كل من هذه الأوجه جائزا ، وإلى ذلك ذهبإسحاق ، لكن لم يثبت عنده الزيادة على أربعة ركوعات . وقال ابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم من الشافعية : يجوز العمل بجميع ما ثبت من ذلك ، وهو من الاختلاف المباح ، وقواه والخطابي النووي في شرح ، وبمثل ذلك قال مسلم الإمام يحيى .
والحق إن صح تعدد الواقعة أن الأحاديث المشتملة على الزيادة الخارجة من مخرج صحيح يتعين الأخذ بها لعدم منافاتها للمزيد ، وإن كانت الواقعة ليست إلا مرة واحدة فالمصير إلى الترجيح أمر لا بد منه ، وأحاديث الركوعين أرجح .
1327 - ( وعن رضي الله عنها : { أسماء } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ، فأقام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم قام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم رفع ، ثم سجد فأطال السجود ، ثم قام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم قام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم رفع فسجد فأطال السجود ، ثم رفع ، ثم سجد فأطال السجود ، ثم انصرف . أحمد والبخاري وأبو داود ) . وابن ماجه
1328 - ( وعن رضي الله عنه قال : { جابر } رواه كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون ، ثم ركع فأطال ، ثم رفع فأطال ثم ركع فأطال ، ثم سجد سجدتين ثم قام فصنع نحوا من ذلك فكانت أربع ركعات وأربع سجدات أحمد ومسلم وأبو داود ) . ومن الأحاديث المصرحة بالركوعين حديث عند علي ، وحديث أحمد عند أبي هريرة ، وحديث النسائي عند ابن عمر ، وحديث البزار أم سفيان عند . الطبراني
قوله : ( ثم رفع ثم سجد ) لم يذكر فيه تطويل الرفع الذي يتعقبه السجود ولا في غيره من الأحاديث المتقدمة . ووقع عند من حديث مسلم بلفظ : " ثم رفع فأطال ثم سجد " قال جابر النووي : هي رواية شاذة .
وتعقب بما رواه النسائي وغيرهما من حديث وابن خزيمة وفيه : " ثم ركع فأطال حتى قيل : لا يرفع ، ثم رفع فأطال حتى قيل : [ ص: 391 ] لا يسجد ، ثم سجد فأطال حتى قيل : لا يرفع ، ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل : لا يسجد ، ثم سجد " وصحح الحديث الحافظ ، قال : لم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا . وقد نقل عبد الله بن عمر الغزالي الاتفاق على ترك إطالته ، فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام وإلا فهو محجوج بهذه الرواية ، والكلام على ألفاظ الحديثين قد سبق ، وهما من حجج القائلين بأن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان .
الكسوف لغة : التغير إلى سواد ، ومنه كسف في وجهه ، وكسفت الشمس : اسودت وذهب شعاعها . قال في الفتح : والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر ، واختاره ثعلب ، وذكر . : أنه أفصح ، وقيل : يتعين ذلك . وحكى الجوهري عياض عن بعضهم عكسه وغلطه لثبوته بالخاء في القمر في القرآن وقيل : يقال بهما في كل منهما ، وبه جاءت الأحاديث . قال الحافظ : ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف ; لأن الكسوف التغير إلى سواد ، والخسوف النقصان أو الذل . قال : ولا يلزم من ذلك أنهما مترادفان . وقيل : بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء . وقيل : بالكاف لذهاب جميع الضوء ، وبالخاء لبعضه . وقيل : بالخاء لذهاب كل اللون ، وبالكاف لتغيره انتهى . وقد روي عن عروة أنه قال : لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا : خسفت .
قال في الفتح : وهذا موقوف صحيح رواه عنه . وأخرجه سعيد بن منصور عن مسلم يحيى بن يحيى عنه ، لكن الأحاديث الصحيحة المذكورة في الباب وغيرها ترد ذلك قوله : ( ركعتين في سجدة ) المراد بالسجدة هنا الركعة بتمامها ، وبالركعتين الركوعان وهو موافق لروايتي عائشة . وابن عباس
قوله : ( قالت ) الراوي لذلك عنها هو عائشة ويحتمل أن يكون أبو سلمة فيكون من رواية صحابي عن صحابية . قال في الفتح : ووهم من زعم أنه معلق ، فقد أخرجه عبد الله بن عمرو مسلم وغيرهما من رواية وابن خزيمة عن أبي سلمة ، وفيه قول عبد الله بن عمرو هذا قوله : ( ما ركعت . . . إلخ ) ذكر الركوع عائشة ، لمسلم اقتصر على ذكر السجود ، وقد ثبت طول الركوع والسجود في الكسوف في أحاديث كثيرة منها المذكورة في الباب ومنها عن والبخاري من وجه آخر عند عبد الله بن عمرو . وعن النسائي عنده . وعن أبي هريرة أبي موسى عند الشيخين . وعن سمرة عند أبي داود وعن والنسائي وعن جابر وسيأتيان وإلى مشروعية التطويل في الركوع والسجود في أسماء كما يطول القيام ذهب صلاة الكسوف أحمد وإسحاق في أحد قوليه ، وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه ، واختاره والشافعي ابن سريج قوله : ( خسفت الشمس ) [ ص: 388 ] بالخاء المعجمة وقد تقدم بيان معنى الخسوف قوله : ( وصف الناس ) برفع ( الناس ) : أي اصطفوا ، يقال صف القوم : إذ صاروا صفا ، ويجوز النصب ، والفاعل ضمير يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ( وانجلت الشمس قبل أن ينصرف ) فيه أن الانجلاء وقع قبل انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قوله : ( ثم قام فخطب الناس ) فيه استحباب . الخطبة بعد صلاة الكسوف
وقال صاحب الهداية من الحنفية : ليس في الكسوف خطبة ; لأنه لم ينقل . وتعقب بأن الأحاديث وردت بذلك وهي ذات كثرة كما قال الحافظ . والمشهور عند المالكية أنه لا خطبة في الكسوف مع أن روى الحديث وفيه ذكر الخطبة . مالكا
وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد لها الخطبة بخصوصها ، وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس . وتعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بها وحكاية شرائطها من الحمد والثناء وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث ، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف ، والأصل مشروعية الاتباع ، والخصائص لا تثبت إلا بدليل .
وقد ذهب إلى عدم استحباب الخطبة في الكسوف مع مالك والعترة ، قوله : ( لا ينخسفان ) في رواية " يخسفان " بدون نون كما سيأتي في حديث أبو حنيفة ، قوله : ( لموت أحد ) إنما قال صلى الله عليه وسلم كذلك ; لأن ابنه ابن عباس إبراهيم مات ، فقال الناس : إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم ولأحمد والنسائي وصححه وابن ماجه ابن خزيمة من حديث وابن حبان النعمان بن بشير قال : { } الحديث . كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج فزعا يجر ثوبه حتى أتى المسجد ، فلم يزل يصلي حتى انجلت ، فلما انجلت قال : إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء وليس كذلك
وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب . قال : كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير الأرض من موت أو ضرر ، فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل ، وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله تعالى ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما ، قوله : ( ولا لحياته ) استشكلت هذه الزيادة ; لأن السياق إنما ورد في حق من ظن أن ذلك لموت الخطابي إبراهيم ولم يذكروا الحياة .
قال في الفتح : والجواب أن فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول : لا يلزم من نفي كونه سببا للفقد أن لا يكون سببا للإيجاد ، فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم ، قوله : ( فإذا رأيتموهما ) أكثر الروايات بصيغة ضمير المؤنث ، والمراد رأيتم كسوف كل واحد في وقته لاستحالة اجتماعهما في وقت واحد ، قوله : ( فافزعوا ) بفتح الزاي : أي التجئوا أو توجهوا .
وفيه إشارة إلى المبادرة وأنه لا معين ; لأن الصلاة علقت برؤية الشمس أو القمر ، وهي ممكنة في كل وقت ، وبهذا قال وقت لصلاة الكسوف ومن تبعه . [ ص: 389 ] واستثنت الحنفية أوقات الكراهة وهو مشهور مذهب الشافعي ، وعن المالكية : وقتها من وقت حل النافلة إلى الزوال . أحمد
وفي رواية " إلى صلاة العصر " . ورجح الأول بأن المقصود إيقاع هذه العبادة قبل الانجلاء ، وقد اتفقوا على أنها لا تقضى بعده ، فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله فيفوت المقصود . قال في الفتح : ولم أقف على شيء من الطرق مع كثرتها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها إلا ضحى لكن ذلك وقع اتفاقا فلا يدل على منع ما عداه ، واتفقت الطرق على أنه بادر إليها انتهى .
قوله : ( نحوا من سورة البقرة ) فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر بالقراءة . قوله : ( وهو دون القيام الأول ) فيه أن القيام الأول من الركعة الأولى أطول من القيام الثاني منها ، وكذا الركوع الأول والثاني منها لقوله : " وهو دون الركوع الأول " . قال النووي : اتفقوا على أن القيام الثاني وركوعه فيهما أقصر من القيام الأول وركوعه فيهما ، قوله : ( ثم سجد ) أي سجدتين . قوله : ( ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ) فيه دليل لمن قال : إن القيام الأول من الركعة الثانية يكون دون القيام الثاني من الركعة الأولى .
وقد قال ابن بطال : إنه لا خلاف أن الركعة الأولى بقيامها وركوعها تكون أطول من الركعة الثانية بقيامها وركوعها ، قوله : ( ثم رفع فقام قياما طويلا . . . إلخ ) فيه أنه يشرع تطويل القيامين والركوعين في الركعة الآخرة ، وقد ورد تقدير القيام في الثانية بسورة آل عمران كما في سنن أبي داود .
وفيه أيضا أن القيام الثاني دون الأول كما في الركعة الأولى ، وكذلك الركوع ، وقد تقدمت حكاية النووي للاتفاق على ذلك . والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أن المشروع في . وقد اختلف العلماء في صفتها بعد الاتفاق على أنها سنة غير واجبة كما حكاه صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان النووي في شرح مسلم والمهدي في البحر وغيرهما .
فذهب مالك والشافعي والجمهور إلى أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان ، وهي الصفة التي وردت بها الأحاديث الصحيحة المذكورة في الباب وغيرها . وحكي في البحر عن وأحمد العترة جميعا أنها ركعتان في كل ركعة خمسة ركوعات . واستدلوا له بحديث أبي بن كعب وسيأتي . وقال أبو حنيفة والثوري : إنها ركعتان كسائر النوافل في كل ركعة ركوع واحد ، وحكاه والنخعي النووي عن الكوفيين .
واستدلوا بحديث النعمان وسمرة الآتيين . وقال : في كل ركعة ثلاثة ركوعات . واستدل بحديث حذيفة جابر وابن عباس وستأتي . قال وعائشة النووي : وقد قال بكل نوع جماعة من الصحابة .
وحكى النووي عن أنه قال : أصح ما في الباب ركوعان ، وما خالف ذلك فمعلل أو ضعيف ، وكذا قال ابن عبد البر ونقل صاحب الهدي عن البيهقي الشافعي وأحمد أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة ; لأن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض . والبخاري
[ ص: 390 ] ويجمعها أن ذلك كان يوم موت إبراهيم ، وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح ، ولا شك أن أحاديث الركوعين أصح . قال في الفتح : وجمع بعضهم بين هذه الأحاديث بتعدد الواقعة ، وأن الكسوف وقع مرارا فيكون كل من هذه الأوجه جائزا ، وإلى ذلك ذهبإسحاق ، لكن لم يثبت عنده الزيادة على أربعة ركوعات . وقال ابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم من الشافعية : يجوز العمل بجميع ما ثبت من ذلك ، وهو من الاختلاف المباح ، وقواه والخطابي النووي في شرح ، وبمثل ذلك قال مسلم الإمام يحيى .
والحق إن صح تعدد الواقعة أن الأحاديث المشتملة على الزيادة الخارجة من مخرج صحيح يتعين الأخذ بها لعدم منافاتها للمزيد ، وإن كانت الواقعة ليست إلا مرة واحدة فالمصير إلى الترجيح أمر لا بد منه ، وأحاديث الركوعين أرجح .
1327 - ( وعن رضي الله عنها : { أسماء } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ، فأقام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم قام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم رفع ، ثم سجد فأطال السجود ، ثم قام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم قام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم رفع فسجد فأطال السجود ، ثم رفع ، ثم سجد فأطال السجود ، ثم انصرف . أحمد والبخاري وأبو داود ) . وابن ماجه
1328 - ( وعن رضي الله عنه قال : { جابر } رواه كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون ، ثم ركع فأطال ، ثم رفع فأطال ثم ركع فأطال ، ثم سجد سجدتين ثم قام فصنع نحوا من ذلك فكانت أربع ركعات وأربع سجدات أحمد ومسلم وأبو داود ) . ومن الأحاديث المصرحة بالركوعين حديث عند علي ، وحديث أحمد عند أبي هريرة ، وحديث النسائي عند ابن عمر ، وحديث البزار أم سفيان عند . الطبراني
قوله : ( ثم رفع ثم سجد ) لم يذكر فيه تطويل الرفع الذي يتعقبه السجود ولا في غيره من الأحاديث المتقدمة . ووقع عند من حديث مسلم بلفظ : " ثم رفع فأطال ثم سجد " قال جابر النووي : هي رواية شاذة .
وتعقب بما رواه النسائي وغيرهما من حديث وابن خزيمة وفيه : " ثم ركع فأطال حتى قيل : لا يرفع ، ثم رفع فأطال حتى قيل : [ ص: 391 ] لا يسجد ، ثم سجد فأطال حتى قيل : لا يرفع ، ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل : لا يسجد ، ثم سجد " وصحح الحديث الحافظ ، قال : لم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا . وقد نقل عبد الله بن عمر الغزالي الاتفاق على ترك إطالته ، فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام وإلا فهو محجوج بهذه الرواية ، والكلام على ألفاظ الحديثين قد سبق ، وهما من حجج القائلين بأن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان .