الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2557 [ ص: 282 ] ( باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي رضي الله عنهما : ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب في ذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما إلى آخره ، قوله : ( ابني هذا ) جملة اسمية لأن قوله ابني خبر عن قوله هذا ، قوله : ( سيد ) خبر بعد خبر ، والسيد الرئيس ، قال كراع : وجمعه سادة ، قيل : سادة جمع سائد وهو من السودد وهو الشرف ، وقال ابن سيده : وقد يهمز السؤدد وتضم ، وقد سادهم سودا وسوددا وسيادة وسيدودة ، واستادهم كسادهم وسوده هو ، وذكر الزبيدي في كتابه ( طبقات النحويين ) أن أبا محمد الأعرابي قال لإبراهيم بن الحجاج الثائر بأشبيلية : بالله أيها الأمير ما سيدتك العرب إلا بحقك يقولها بالياء ، فلما أنكر عليه قال : السواد السخام ، وأصر على أن الصواب معه ومالأه على ذلك الأمير لعظم منزلته في العلم ، وقيل : اشتقاق السيد من السواد أي الذي يلي السواد العظيم من الناس ، قوله : ( ولعل الله ) استعمل لعل استعمال عسى لاشتراكهما في الرجاء ، قوله : ( فئتين عظيمتين ) ووصفهما بالعظيمتين لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين فرقة مع الحسن رضي الله تعالى عنه وفرقة مع معاوية ، وهذه معجزة عظيمة من النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - حيث أخبر بهذا فوقع مثل ما أخبر .

                                                                                                                                                                                  وأصل القضية أن علي بن أبي طالب لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين من الهجرة قاله ابن الجوزي ، وقال ابن الهيثم : ضربه في ليلة سبعة وعشرين من رمضان ، وقال أبو اليقظان : في الليلة السابعة عشرة من رمضان ، وقال الحسن : كانت ليلة القدر الليلة التي عرج فيها بعيسى عليه الصلاة والسلام ونبئ فيها رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ومات فيها موسى ويوشع بن نون عليهما السلام ، مكث يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين من الهجرة ، وبويع لابنه الحسن بالخلافة في شهر رمضان من هذه السنة ، فقيل في اليوم الذي استشهد فيه علي قاله الواقدي ، وقيل في الليلة التي دفن فيها ، وقيل بعد وفاته بيومين ، قال هشام : وأقام الحسن أياما مفكرا في أمره ثم رأى اختلاف الناس فرقة من جهته وفرقة من جهة معاوية ولا يستقيم الأمر ، ورأى النظر في إصلاح المسلمين وحقن دمائهم أولى من النظر في حقه ، سلم الخلافة لمعاوية في الخامس من ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ، وقيل من ربيع الآخر ، وقيل في غرة جمادى الأولى ، وكانت خلافته ستة أشهر إلا أياما ، وسمي هذا العام عام الجماعة ، وهذا الذي أخبر به النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم " لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين " .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية