الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 267 ] خاتمة [ أخذ الأحكام من الأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال ] قيل : الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال . فإنه موضع تجوز ، حكاه ابن العربي عن إمام الحرمين ، وأنه رد بذلك احتجاج الحنفية في وقت العصر بحديث عملنا مع عمل أهل الكتاب معنا . قال ابن العربي : وهذا وإن كان موضع تجوز وتوسع كما قال ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقول إلا حقا تمثل أو توسع . قلت : والتعليل بالتوسع باطل ; لأنه معصوم ، ولو قال : لأن اللفظ لم يظهر منه قصد التشريع ، فيكون قرينة صارفة عن الحكم لم يبعد ، وقد سبق مثله في العام إذا لم يظهر منه قصد التعميم ، لا يكون عاما ; لكونه غير مقصود . وقيل : لا يؤخذ الجواز مما أخبر به عن أشراط الساعة ونحوها ، كاحتجاج بعض الأصحاب على أن المحرم لا يشترط في الحج بحديث { لترين الظعينة ترحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله } قال عدي : فرأيت ذلك . رواه البخاري ومسلم . وقدح بعضهم بأن هذا خبر منه صلى الله عليه وسلم بأن ذلك يقع بعد ، ولم يقل : إن ذلك يجوز ، وفي الحديث { لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ، فيقول : يا ليتني كنت مكانه } وهذا وإن كان فيه تمني الموت المنهي عنه ، لكنه خبر منه صلى الله عليه وسلم من غير تعرض لجوازه ، كالإخبار بأشراط الساعة ونحوها . [ ص: 268 ]

                                                      والجواب أنه إنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في معرض المدح والامتنان بإظهار الدين ، ولهذا أخبر في هذا الحديث بإنفاق كنوز كسرى في سبيل الله . ويشهد لذلك أيضا ما في الصحيحين عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { هل لكم من أنماط ؟ قلت : لا . قال : أما إنها ستكون لكم الأنماط } . قال : فأنا أقول لها - يعني امرأته - : أخري عني أنماطك . فتقول له : ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ستكون لكم الأنماط ؟ فأدعها . والأنماط ضرب من البسط له خمل رقيق . ففهم الصحابي مما أخبر به عن الأشراط الجواز أيضا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية