الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب تبليغ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحفظه.

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) .

                                                                            قال الشيخ الإمام: الأمر عام في حق أهل زمانه، ومن جاء بعدهم، ولا وصول إلى من بعدهم إلا بالتبليغ.

                                                                            وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: "فليبلغ الشاهد الغائب".

                                                                            112 - قال الشيخ: أخبرنا أبو الحسن عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الخلال، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم .

                                                                            ح، وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: أنا أبو بكر الحيري، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، [ ص: 236 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " نضر الله عبدا سمع مقالتي، فحفظها، ووعاها، وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ".

                                                                            قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.

                                                                            قال أبو سليمان الخطابي : قوله: "نضر الله امرأ" معناه: الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة، ويقال: نضره الله، بالتخفيف والتثقيل، وأجودهما التخفيف، وقيل: ليس هذا من حسن الوجه، إنما معناه حسن الجاه والقدر في الخلق. [ ص: 237 ] .

                                                                            قوله: "لا يغل عليهن" بفتح الياء، وكسر الغين من الغل، وهو الضغن والحقد، يريد: لا يدخله حقد يزيله عن الحق، ويروى بضم الياء من الإغلال، وهو الخيانة.

                                                                            وفي الحديث: أنه كتب في كتاب صلح الحديبية: "لا إغلال ولا إسلال".

                                                                            فالإغلال: الخيانة، والإسلال: السرقة، يقال: فلان مغل مسل، أي: خائن سارق، والسلة: السرقة.

                                                                            فأما الغلول في الغنيمة، وهو الخيانة فيها فليس من هذا، سمي غلولا، لأن الأيدي مغلولة عنها، أي: ممنوعة، يقال من الغلول في الغنيمة: غل يغل، بضم الغين، قال الله سبحانه وتعالى: ( وما كان لنبي أن يغل ) ويقال من الخيانة في غيرها: أغل يغل، ويقال من الحقد: غل يغل، بكسر الغين.

                                                                            وفيه إشارة إلى تكرار الحديث للحفظ، قال النخعي: إني لأسمع الحديث، فأحدث به الخادم أدسه به في نفسي، أي: أثبته، يريد أحدث به خادمي أستذكر بذلك.

                                                                            وفيه دليل على كراهية اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي في الفقه، لأنه إذا فعل ذلك، فقد قطع طريق الاستنباط على من بعده ممن هو أفقه، وفي ضمنه وجوب التفقه، والحث على استنباط معنى الحديث، واستخراج المكنون من سره.

                                                                            واختلف أهل العلم في نقل الحديث بالمعنى، فرخص فيه جماعة، قال واثلة بن الأسقع: إذا حدثناكم بالحديث على معناه، فحسبكم، وإليه [ ص: 238 ] ذهب الحسن، والشعبي، والنخعي.

                                                                            قال أيوب، عن ابن سيرين : كنت أسمع الحديث من عشرة، اللفظ مختلف، والمعنى واحد.

                                                                            قال مجاهد : انقص من الحديث إن شئت، ولا تزد فيه.

                                                                            قال سفيان الثوري : إن قلت: إني حدثتكم كما سمعت فلا تصدقوني، فإنما هو المعنى.

                                                                            وقال وكيع: إن لم يكن المعنى واسعا، فقد هلك الناس.

                                                                            وذهب قوم إلى اتباع اللفظ، منهم: ابن عمر، وهو قول القاسم بن محمد، وابن سيرين، ورجاء بن حيوة، ومالك بن أنس، وابن علية، وعبد الوارث، ويزيد بن زريع، ووهيب، وبه قال أحمد، ويحيى .

                                                                            وذهب جماعة من أئمة الحديث، وأهل العلم إلى جواز القراءة، والعرض على المحدث، ثم الرواية عنه، وإليه ذهب الحسن، والشعبي، وعروة، وهشام بن عروة، وزيد بن أسلم، وعكرمة، والزهري، وابن أبي ذئب، واحتجوا بحديث ضمام بن ثعلبة .

                                                                            وبيان العرض أن يدفع كتابا إلى محدث فيه سماعه، فيتأمله المحدث ويعرفه، فيقول له: هذه رواياتي عن شيوخي، فحدث بها عني. [ ص: 239 ] .

                                                                            وقال عاصم الأحول : عرضت على الشعبي أحاديث الفقه، فأجازها لي.

                                                                            وقال مطرف بن عبد الله : صحبت مالكا سبع عشرة سنة، فما رأيته قرأ الموطأ على أحد، وسمعته يأبى على من يقول: لا يجزئه إلا السماع، ويقول: كيف لا يجزئك هذا في الحديث، ويجزئك في القرآن، والقرآن أعظم؟.

                                                                            وقال ابن أبي أويس : سئل مالك عن حديثه، أسماع هو؟ فقال: منه سماع، ومنه عرض، وليس العرض بأدنى عندنا من السماع.

                                                                            وذهب جماعة من الفقهاء إلى أن العرض ليس بسماع، وهو قول الأوزاعي، والثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأ سمع مقالتي". [ ص: 240 ] .

                                                                            وقال صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم".

                                                                            واختلفوا في القراءة على المحدث، هل هو إخبار أم لا؟ قال أبو عاصم، عن مالك، وسفيان: القراءة على العالم وقراءته سواء.

                                                                            وقال سفيان بن عيينة : إذا قرئ على المحدث، فلا بأس أن يقول: حدثني، وكان عنده حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت، واحدا.

                                                                            واحتج مالك بالصك يقرأ على القوم، فيقولون: أشهدنا فلان، ويقرأ ذلك قراءة عليه، ويقرأ على المقرئ، فيقول: أقرأني فلان.

                                                                            وجوزوا المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان رآه عبد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد، ومالك جائزا.

                                                                            قال شعبة: كتب إلي منصور بحديث، ثم لقيته بعد ذلك، [ ص: 241 ] فسألته عن ذلك، فقال: أليس قد حدثتك به، إذا كتبت إليك، فقد حدثتك.

                                                                            واحتج بعض أهل الحجاز في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كتب لأمير السرية كتابا، قال: "لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا" [ ص: 242 ] فلما بلغ ذلك المكان، قرأه على الناس، وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                            قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: الذي أختاره في الرواية، وعهدت عليه أكثر مشايخي، أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا ليس معه أحد: حدثني فلان، وما يأخذه لفظا مع غيره: حدثنا فلان، وما قرأ على المحدث بنفسه أخبرني فلان، وما قرئ على المحدث وهو حاضر أخبرنا فلان، وإذا عرض على المحدث، فأجاز له روايته شفاها يقول: أنبأني فلان، وما كتب إليه، ولم يشافهه بالإجازة يقول: كتب إلي فلان.

                                                                            واحتج البخاري في وقت سماع الصغير بحديث الزهري، عن محمود بن الربيع، قال: عقلت مع النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي، وأنا ابن خمس سنين من دلو.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية