بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأذان باب بدء الأذان وقوله عز وجل وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزؤا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون وقوله إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة
578 حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا حدثنا عبد الوارث عن خالد الحذاء عن أبي قلابة قال أنس بن مالك اليهود والنصارى بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة فأمر ذكروا النار والناقوس فذكروا
كتاب الأذان
- باب بدء الأذان
- باب الأذان مثنى مثنى
- باب الإقامة واحدة إلا قوله قد قامت الصلاة
- باب فضل التأذين
- باب رفع الصوت بالنداء
- باب ما يحقن بالأذان من الدماء
- باب ما يقول إذا سمع المنادي
- باب الدعاء عند النداء
- باب الاستهام في الأذان
- باب الكلام في الأذان
- باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره
- باب الأذان بعد الفجر
- باب الأذان قبل الفجر
- باب كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة
- باب من انتظر الإقامة
- باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء
- باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد
- باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة
- باب هل يتتبع المؤذن فاه ههنا وههنا وهل يلتفت في الأذان
- باب قول الرجل فاتتنا الصلاة
- باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار
- باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة
- باب لا يسعى إلى الصلاة مستعجلا وليقم بالسكينة والوقار
- باب هل يخرج من المسجد لعلة
- باب إذا قال الإمام مكانكم حتى رجع انتظروه
- باب قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما صلينا
- باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة
- باب الكلام إذا أقيمت الصلاة
التالي
السابق
[ ص: 92 ] ( بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب أبواب الأذان ) لغة الإعلام ، قال الله تعالى الأذان وأذان من الله ورسوله . واشتقاقه من الأذن بفتحتين وهو الاستماع . وشرعا الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة . قال القرطبي وغيره : الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله ، ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك ، ثم بإثبات الرسالة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد ، ثم أعاد ما أعاد توكيدا . ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت ، والدعاء إلى الجماعة ، وإظهار شعائر الإسلام . والحكمة في اختيار القول له دون الفعل سهولة القول وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان ، واختلف ؟ ثالثها إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل وإلا فالأذان ، وفي كلام أيما أفضل الأذان أو الإمامة ما يومئ إليه . واختلف أيضا في الجمع بينهما فقيل يكره ، وفي الشافعي من حديث البيهقي جابر مرفوعا النهي عن ذلك لكن سنده ضعيف ، وصح عن عمر " لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت " رواه وغيره . وقيل هو خلاف الأولى ، وقيل يستحب وصححه سعيد بن منصور النووي .
[ ص: 93 ] : ( باب بدء الأذان ) أي ابتدائه . وسقط لفظ " باب " من رواية أبي ذر ، وكذلك سقطت البسملة من رواية القابسي وغيره .
قوله : : ( وقول الله عز وجل وإذا ناديتم إلى الصلاة ) الآية يشير بذلك إلى أن كان ابتداء الأذان بالمدينة ، وقد ذكر بعض أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان قالوا : لقد ابتدعت يا محمد شيئا لم يكن فيما مضى ، فنزلت وإذا ناديتم إلى الصلاة الآية .
قوله : : ( وقوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) يشير بذلك أيضا إلى الابتداء ، لأن ابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة كما سيأتي في بابه . واختلف في : فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى ، وقيل بل كان في السنة الثانية ، وروي عن السنة التي فرض فيها ابن عباس أن فرض الأذان نزل مع هذه الآية . أخرجه أبو الشيخ .
( تنبيه : الفرق بين ما في الآيتين من التعدية بإلى واللام أن صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام ، فقصد في الأولى معنى الانتهاء وفي الثانية معنى الاختصاص قاله الكرماني . ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى أو العكس والله أعلم . وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن ، فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا . وقوله في آخره الأذان إنما شرع بعد الهجرة بلال قم فناد بالصلاة كان ذلك قبل رؤيا يا ، وسياق حديثه يدل على ذلك كما أخرجه عبد الله بن زيد ابن خزيمة من طريق وابن حبان محمد بن إسحاق قال : حدثني عن محمد بن إبراهيم التيمي محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال حدثني ، فذكر نحو حديث عبد الله بن زيد ابن عمر ، وفي آخره " فبينما هم على ذلك أري عبد الله النداء " فذكر الرؤيا وفيها لكن بغير ترجيع ، وفيه صفة الأذان " وفي آخره تربيع التكبير وإفراد الإقامة وتثنية " قد قامت الصلاة بلال فألقها عليه فإنه أندى صوتا منك وفيه مجيء قوله - صلى الله عليه وسلم - إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى ، فقم مع عمر وقوله إنه رأى مثل ذلك ، وقد أخرج الترمذي في ترجمة حديث بدء الأذان مع حديث عبد الله بن زيد عبد الله بن عمر ، وإنما لم يخرجه لأنه على غير شرطه . البخاري
وقد روي عن من طرق ، وحكى عبد الله بن زيد عن ابن خزيمة الذهلي أنه ليس في طرقه أصح من هذه الطريق ، وشاهده حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن مرسلا - ومنهم من وصله عن سعيد بن المسيب سعيد - عن ، والمرسل أقوى إسنادا . ووقع في الأوسط عبد الله بن زيد أن للطبراني أبا بكر أيضا رأى الأذان ، ووقع في الوسيط أنه رآه بضعة عشر رجلا ، وعبارة للغزالي الجيلي في شرح التنبيه أربعة عشر رجلا ، وأنكره ابن الصلاح ثم النووي ، [ ص: 94 ] ونقل مغلطاي أن في بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة ، ولا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد ، عمر جاءت في بعض طرقه وفي مسند وقصة الحارث بن أبي أسامة بسند واه قال : أول من أذن بالصلاة جبريل في سماء الدنيا ، فسمعه عمر وبلال ، فسبق عمر بلالا فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم جاء بلال فقال له : سبقك بها عمر .
( فائدتان : الأولى : وردت أحاديث تدل على أن بمكة قبل الهجرة ، منها الأذان شرع من طريق للطبراني عن أبيه قال : سالم بن عبد الله بن عمر بلالا . وفي إسناده لما أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه طلحة بن زيد وهو متروك . في " الأطراف " في مخطوط الرياض : " الأفراد " من حديث وللدارقطني أنس جبريل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأذان حين فرضت الصلاة ، وإسناده ضعيف أيضا . أن ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا : جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت ، وفيه من لا يعرف . لما أسري بي أذن وغيره من حديث وللبزار علي قال : جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها . فذكر الحديث وفيه : لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه . وفي إسناده إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، وفي آخره : ثم أخذ الملك بيده فأم بأهل السماء زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا . ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة . وأما قول القرطبي : لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه ، ففيه نظر لقوله في أوله : لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان ، وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضا لتصريحه بكيفيته المشروعة فيه . والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث . وقد جزم ابن المنذر بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث . انتهى . عبد الله بن زيد
وقد حاول السهيلي في الروض الأنف 2 : 19 الجمع بينهما فتكلف وتعسف ، والأخذ بما صح أولى ، فقال بانيا على صحة كذا . وفيه سقط ولعل الصواب " بانيا على صحة ما ورد في ذلك " . الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه فوق سبع سموات وهو أقوى من الوحي ، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه فقال إنها لرؤيا حق وعلم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض ، وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطق على لسانه ، والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه - صلى الله عليه وسلم - التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفحم لشأنه . انتهى ملخصا .
والثاني : حسن بديع ، ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا حتى أضيف عبد الله بن زيد عمر للتقوية التي ذكرها . لكن قد يقال : فلم لا أقتصر على عمر ؟ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة ، وقد جاء في رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤولة فإن لفظها " سبقك بها بلال " فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا . ومما كثر السؤال عنه هل باشر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأذان بنفسه ؟ وقد [ ص: 95 ] وقع عند عبد الله بن زيد السهيلي أخرجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى اهـ . أبي هريرة
وليس هو من حديث وإنما هو من حديث أبي هريرة يعلى بن مرة ، وكذا جزم النووي بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن مرة في السفر وعزاه وقواه ، ولكن وجدناه في مسند للترمذي أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه " فأمر بلالا فأذن " فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن معنى قوله " أذن " أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا ، وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به . ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال : أخذ الأذان من أذان إبراهيم وأذن في الناس بالحج الآية . قال : فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة .
( الفائدة الثانية ) : قال الزين بن المنير : أعرض عن التصريح بحكم البخاري لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين ، فأثبت مشروعيته وسلم من الاعتراض . وقد اختلف في ذلك ، ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه ، ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه كان ذلك بالواجبات أشبه . انتهى . وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى . الأذان
قوله : : ( حدثنا ) هو ابن سعيد ، عبد الوارث كما ثبت في رواية وخالد هو الحذاء كريمة ، والإسناد كله بصريون .
قوله ( ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى ) كذا ساقه عبد الوارث مختصرا ، ورواية عبد الوهاب الآتية في الباب الذي بعده أوضح قليلا حيث قال " " وأوضح من ذلك رواية لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه ، فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا روح بن عطاء عن خالد عند ولفظه أبي الشيخ للنصارى . فقالوا : لو اتخذنا بوقا ، فقال : ذاك لليهود . فقالوا : لو رفعنا نارا ، فقال : ذاك للمجوس فعلى هذا ففي رواية فقالوا لو اتخذنا ناقوسا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذاك عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه : ذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس واللف والنشر فيه معكوس ، فالنار للمجوس والناقوس للنصارى والبوق لليهود . وسيأتي في حديث ابن عمر التنصيص على أن البوق لليهود . وقال الكرماني : يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس . انتهى . ورواية وابن عمر روح تغني عن هذا الاحتمال .
قوله : : ( فأمر بلال ) هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول ، وقد اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع ، والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه ، لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم اتباعه وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوى جانب الرفع جدا . وقد وقع في رواية روح بن عطاء المذكورة " فأمر بلالا " بالنصب وفاعل أمر هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو بين في سياقه . وأصرح من ذلك رواية وغيره عن النسائي قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالا " قال : [ ص: 96 ] صرح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة الحاكم قتيبة . قلت : ولم ينفرد به ، فقد أخرجه أبو عوانة من طريق مروان المروزي عن قتيبة كلاهما عن ويحيى بن معين عبد الوهاب ، وطريق يحيى عند أيضا ، ولم ينفرد به الدارقطني عبد الوهاب . وقد رواه من طريق البلاذري ابن شهاب الحناط عن أبي قلابة : وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر ظاهر في أن الآمر بذلك هو النبي - صلى الله عليه وسلم - لا غيره كما استدل به النداء إلى الصلاة ابن المنذر ، واستدل بورود الأمر به من قال بوجوب الأذان . وتعقب بأن الأمر إذا ورد بصفة الأذان لا بنفسه ، وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورا به ، قاله وابن حبان ابن دقيق العيد . وممن قال بوجوبه مطلقا الأوزاعي وداود وابن المنذر وهو ظاهر قول مالك في الموطأ وحكى عن محمد بن الحسن ، وقيل واجب في الجمعة فقط وقيل فرض كفاية ، والجمهور على أنه من السنن المؤكدة ، وقد تقدم ذكر منشأ الخلاف في ذلك ، وأخطأ من استدل على عدم وجوبه بالإجماع لما ذكرناه والله أعلم .
[ ص: 93 ] : ( باب بدء الأذان ) أي ابتدائه . وسقط لفظ " باب " من رواية أبي ذر ، وكذلك سقطت البسملة من رواية القابسي وغيره .
قوله : : ( وقول الله عز وجل وإذا ناديتم إلى الصلاة ) الآية يشير بذلك إلى أن كان ابتداء الأذان بالمدينة ، وقد ذكر بعض أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان قالوا : لقد ابتدعت يا محمد شيئا لم يكن فيما مضى ، فنزلت وإذا ناديتم إلى الصلاة الآية .
قوله : : ( وقوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) يشير بذلك أيضا إلى الابتداء ، لأن ابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة كما سيأتي في بابه . واختلف في : فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى ، وقيل بل كان في السنة الثانية ، وروي عن السنة التي فرض فيها ابن عباس أن فرض الأذان نزل مع هذه الآية . أخرجه أبو الشيخ .
( تنبيه : الفرق بين ما في الآيتين من التعدية بإلى واللام أن صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام ، فقصد في الأولى معنى الانتهاء وفي الثانية معنى الاختصاص قاله الكرماني . ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى أو العكس والله أعلم . وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن ، فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا . وقوله في آخره الأذان إنما شرع بعد الهجرة بلال قم فناد بالصلاة كان ذلك قبل رؤيا يا ، وسياق حديثه يدل على ذلك كما أخرجه عبد الله بن زيد ابن خزيمة من طريق وابن حبان محمد بن إسحاق قال : حدثني عن محمد بن إبراهيم التيمي محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال حدثني ، فذكر نحو حديث عبد الله بن زيد ابن عمر ، وفي آخره " فبينما هم على ذلك أري عبد الله النداء " فذكر الرؤيا وفيها لكن بغير ترجيع ، وفيه صفة الأذان " وفي آخره تربيع التكبير وإفراد الإقامة وتثنية " قد قامت الصلاة بلال فألقها عليه فإنه أندى صوتا منك وفيه مجيء قوله - صلى الله عليه وسلم - إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى ، فقم مع عمر وقوله إنه رأى مثل ذلك ، وقد أخرج الترمذي في ترجمة حديث بدء الأذان مع حديث عبد الله بن زيد عبد الله بن عمر ، وإنما لم يخرجه لأنه على غير شرطه . البخاري
وقد روي عن من طرق ، وحكى عبد الله بن زيد عن ابن خزيمة الذهلي أنه ليس في طرقه أصح من هذه الطريق ، وشاهده حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن مرسلا - ومنهم من وصله عن سعيد بن المسيب سعيد - عن ، والمرسل أقوى إسنادا . ووقع في الأوسط عبد الله بن زيد أن للطبراني أبا بكر أيضا رأى الأذان ، ووقع في الوسيط أنه رآه بضعة عشر رجلا ، وعبارة للغزالي الجيلي في شرح التنبيه أربعة عشر رجلا ، وأنكره ابن الصلاح ثم النووي ، [ ص: 94 ] ونقل مغلطاي أن في بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة ، ولا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد ، عمر جاءت في بعض طرقه وفي مسند وقصة الحارث بن أبي أسامة بسند واه قال : أول من أذن بالصلاة جبريل في سماء الدنيا ، فسمعه عمر وبلال ، فسبق عمر بلالا فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم جاء بلال فقال له : سبقك بها عمر .
( فائدتان : الأولى : وردت أحاديث تدل على أن بمكة قبل الهجرة ، منها الأذان شرع من طريق للطبراني عن أبيه قال : سالم بن عبد الله بن عمر بلالا . وفي إسناده لما أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه طلحة بن زيد وهو متروك . في " الأطراف " في مخطوط الرياض : " الأفراد " من حديث وللدارقطني أنس جبريل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأذان حين فرضت الصلاة ، وإسناده ضعيف أيضا . أن ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا : جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت ، وفيه من لا يعرف . لما أسري بي أذن وغيره من حديث وللبزار علي قال : جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها . فذكر الحديث وفيه : لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه . وفي إسناده إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، وفي آخره : ثم أخذ الملك بيده فأم بأهل السماء زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا . ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة . وأما قول القرطبي : لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه ، ففيه نظر لقوله في أوله : لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان ، وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضا لتصريحه بكيفيته المشروعة فيه . والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث . وقد جزم ابن المنذر بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث . انتهى . عبد الله بن زيد
وقد حاول السهيلي في الروض الأنف 2 : 19 الجمع بينهما فتكلف وتعسف ، والأخذ بما صح أولى ، فقال بانيا على صحة كذا . وفيه سقط ولعل الصواب " بانيا على صحة ما ورد في ذلك " . الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه فوق سبع سموات وهو أقوى من الوحي ، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه فقال إنها لرؤيا حق وعلم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض ، وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطق على لسانه ، والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه - صلى الله عليه وسلم - التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفحم لشأنه . انتهى ملخصا .
والثاني : حسن بديع ، ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا حتى أضيف عبد الله بن زيد عمر للتقوية التي ذكرها . لكن قد يقال : فلم لا أقتصر على عمر ؟ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة ، وقد جاء في رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤولة فإن لفظها " سبقك بها بلال " فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا . ومما كثر السؤال عنه هل باشر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأذان بنفسه ؟ وقد [ ص: 95 ] وقع عند عبد الله بن زيد السهيلي أخرجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى اهـ . أبي هريرة
وليس هو من حديث وإنما هو من حديث أبي هريرة يعلى بن مرة ، وكذا جزم النووي بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن مرة في السفر وعزاه وقواه ، ولكن وجدناه في مسند للترمذي أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه " فأمر بلالا فأذن " فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن معنى قوله " أذن " أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا ، وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به . ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال : أخذ الأذان من أذان إبراهيم وأذن في الناس بالحج الآية . قال : فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة .
( الفائدة الثانية ) : قال الزين بن المنير : أعرض عن التصريح بحكم البخاري لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين ، فأثبت مشروعيته وسلم من الاعتراض . وقد اختلف في ذلك ، ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه ، ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه كان ذلك بالواجبات أشبه . انتهى . وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى . الأذان
قوله : : ( حدثنا ) هو ابن سعيد ، عبد الوارث كما ثبت في رواية وخالد هو الحذاء كريمة ، والإسناد كله بصريون .
قوله ( ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى ) كذا ساقه عبد الوارث مختصرا ، ورواية عبد الوهاب الآتية في الباب الذي بعده أوضح قليلا حيث قال " " وأوضح من ذلك رواية لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه ، فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا روح بن عطاء عن خالد عند ولفظه أبي الشيخ للنصارى . فقالوا : لو اتخذنا بوقا ، فقال : ذاك لليهود . فقالوا : لو رفعنا نارا ، فقال : ذاك للمجوس فعلى هذا ففي رواية فقالوا لو اتخذنا ناقوسا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذاك عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه : ذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس واللف والنشر فيه معكوس ، فالنار للمجوس والناقوس للنصارى والبوق لليهود . وسيأتي في حديث ابن عمر التنصيص على أن البوق لليهود . وقال الكرماني : يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس . انتهى . ورواية وابن عمر روح تغني عن هذا الاحتمال .
قوله : : ( فأمر بلال ) هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول ، وقد اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع ، والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه ، لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم اتباعه وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوى جانب الرفع جدا . وقد وقع في رواية روح بن عطاء المذكورة " فأمر بلالا " بالنصب وفاعل أمر هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو بين في سياقه . وأصرح من ذلك رواية وغيره عن النسائي قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالا " قال : [ ص: 96 ] صرح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة الحاكم قتيبة . قلت : ولم ينفرد به ، فقد أخرجه أبو عوانة من طريق مروان المروزي عن قتيبة كلاهما عن ويحيى بن معين عبد الوهاب ، وطريق يحيى عند أيضا ، ولم ينفرد به الدارقطني عبد الوهاب . وقد رواه من طريق البلاذري ابن شهاب الحناط عن أبي قلابة : وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر ظاهر في أن الآمر بذلك هو النبي - صلى الله عليه وسلم - لا غيره كما استدل به النداء إلى الصلاة ابن المنذر ، واستدل بورود الأمر به من قال بوجوب الأذان . وتعقب بأن الأمر إذا ورد بصفة الأذان لا بنفسه ، وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورا به ، قاله وابن حبان ابن دقيق العيد . وممن قال بوجوبه مطلقا الأوزاعي وداود وابن المنذر وهو ظاهر قول مالك في الموطأ وحكى عن محمد بن الحسن ، وقيل واجب في الجمعة فقط وقيل فرض كفاية ، والجمهور على أنه من السنن المؤكدة ، وقد تقدم ذكر منشأ الخلاف في ذلك ، وأخطأ من استدل على عدم وجوبه بالإجماع لما ذكرناه والله أعلم .