الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        426 - الحديث الثاني : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من أعتق شقيصا من مملوك ، فعليه خلاصه كله في ماله ، فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ، ثم استسعي العبد ، غير مشقوق عليه } .

                                        التالي السابق


                                        " فيه مسائل : المسألة الأولى : في تصحيحه ، وقد أخرجه الشيخان في صحيحيهما ، وحسبك بذلك فقد قالوا : إن ذلك أعلى درجات الصحيح والذين لم يقولوا بالاستسعاء : تعللوا في تضعيفه بتعليلات لا تصبر على النقد ، ولا يمكنهم الوفاء بمثلها في المواضع التي يحتاجون إلى الاستدلال فيها بأحاديث يرد عليهم فيها مثل تلك التعليلات ، فلنقتصر على هذا القدر ههنا في الاعتماد على تصحيح الشيخين ، ونترك البسط فيه إلى موضع البسط إن شاء الله .

                                        المسألة الثانية : قوله صلى الله عليه وسلم " من مملوك " يعم الذكر والأنثى معا ، وهو أدل من لفظ " من عبد " على أن بعض الناس : ادعى أن لفظ " العبد " يتناول الذكر والأنثى ، وقد نقل " عبد وعبدة " ، وهذا إلى خلاف مراده أقرب منه إلى مراده ، على أنه قد يتعسف متعسف ولا يرى أن لفظ " المملوك " يتناول المملوكة .

                                        المسألة الثالثة : قوله عليه السلام " فعليه خلاصه " قد يشعر بأنه لا يسري بنفس العتق ; لأنه لو عتق بنفس العتق سراية : لتخلص على هذا التقدير بنفس العتق . واللفظ يشعر باستقبال خلاصه ، إلا أن يقدر محذوف ، كما يقال : فعليه عوض خلاصه ، أو ما يقارب هذا .

                                        المسألة الرابعة : قوله عليه السلام " فعليه خلاصه كله " هذا يراد به : الكل من حيث هو كل ، أعني الكل المجموعي ; لأن بعضه قد تخلص بالعتق السابق ، [ ص: 717 ] والذي يخلصه كله من حيث هو كل : هو تتمة عتقه .

                                        المسألة الخامسة : قوله عليه السلام " في ماله " يستدل به على خلاف ما حكي عمن يقول : إنه يعتق من بيت المال ، وهو مروي عن ابن سيرين .

                                        المسألة السادسة : قد يستدل به لمن يقول : إن الشريك الذي لم يعتق أولا ليس له أن يعتق بعد عتق الأول ، إذا كان الأول موسرا ; لأنه لو أعتق ونفذ ، لم يحصل الوفاء ، يكون خلاصه من ماله . لكن يرد عليه لفظ ذلك الحديث ، فإن كان من لوازم عدم صحة عتقه : أنه يسري بنفس العتق على المعتق الأول فيكون دليلا على السراية بنفس العتق ، ويبقى النظر في الترجيح بين هذه الدلالة وبين الدلالة التي قدمناها من قوله صلى الله عليه وسلم { قوم عليه قيمة عدل ، وأعطي شركاؤه حصصهم ، وعتق عليه العبد } فإن ظاهره : ترتب العتق على إعطاء القيمة ، فأي الدليلين كان أظهر عمل به .

                                        المسألة السابعة : قوله عليه السلام " فعليه خلاصه كله من ماله " يقتضي عدم استسعاء العبد عند يسار المعتق .

                                        المسألة الثامنة : قوله عليه السلام " فإن لم يكن له مال " ظاهره : النفي العام للمال ، وإنما يراد به مال يؤدي إلى خلاصه .

                                        المسألة التاسعة : قوله عليه السلام " استسعي العبد " أي ألزم السعي فيما يفك به بقية رقبته من الرق ، وشرط مع ذلك : أن يكون غير مشقوق عليه ، وفي ذلك : الحوالة على الاجتهاد ، والعمل بالظن في مثل هذا ، كما ذكرناه في مقدار القيمة .

                                        المسألة العاشرة : الذين قالوا بالاستسعاء في حالة عسر المعتق : هذا مستندهم . ويعارضه مخالفوهم بما قدمناه ، من قوله صلى الله عليه وسلم { ، وإلا فقد عتق منه ما عتق } ، والنظر بعد الحكم بصحة الحديث منحصر في تقديم إحدى الدلالتين على الأخرى ، أعني دلالة قوله " عتق منه ما عتق " على رق الباقي ، ودلالة " استسعي " على لزوم الاستسعاء في هذه الحالة ، والظاهر : ترجيح هذه الدلالة على الأولى .




                                        الخدمات العلمية