الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 424 ] مسائل مختلفة [ ص: 426 ] سئل الشيخ أبو العباس أحمد ابن تيمية عمن تصيبه جنابة ، والماء يضره ، أو يكون مجروحا ، فهل يجوز له أن يصلي أو يقرأ القرآن ؟ وما قدر المدة التي يصلي فيها ويقرأ ؟ وهل نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك أو عن السلف الصالح ؟

فأجاب :

الحمد لله ، إذا أصابته جنابة وكان عادما للماء ، أو يخاف الضرر باستعماله ، بحيث يجوز له التيمم من الحدث الأصغر ، فإنه يتيمم للحدث الأكبر وهو الجنابة ، كما يتيمم للحدث الأصغر ، في مذهب الأئمة الأربعة وجماهير الصحابة وسائر أئمة المسلمين . وقد دل على ذلك آيتان من كتاب الله : آية النساء وآية المائدة ، وعدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

حديث عمار بن ياسر الذي في الصحيحين لما أجنب هو وعمر ، فتمرغ عمار كما تتمرغ الدابة ظانا أن التراب كالماء في الفعل فيعم البدن ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «إنما كان يكفيك هكذا » ، وضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ، فمسح بهما وجهه وكفيه . [ ص: 428 ]

وحديث عمران بن الحصين الذي في الصحيح في نومهم عن صلاة الفجر في غزوة خيبر ، وكرامة النبي صلى الله عليه وسلم في تكثير ماء المزادة ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا معتزلا من القوم لم يصل قال : «يا فلان! ما منعك أن تصلي معنا ؟ » فقال : إني كنت جنبا ، فأخبره أن الصعيد الطيب يكفيه . ثم لما أتي بالماء أعطاه قدحا فاغتسل .

وحديث أبي ذر في التيمم من الجنابة ، وفيه : «إن الصعيد الطيب طهور المسلم ، ولو لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك ، فإن ذلك خير » .

وحديث عمرو بن العاصي لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم أميرا في غزوة ذات السلاسل ، وأصابته الجنابة في ليلة باردة فخشي مضرة الاغتسال ، فتيمم وصلى بأصحابه وهو جنب ، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأقره عليه .

وحديث صاحب الشجة الذي أفتاه بعض الناس بالاغتسال حتى مات ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : «قتلوه قتلهم الله ، هلا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العي السؤال » . [ ص: 429 ]

وقد روي عن عمر بن الخطاب وابن مسعود منع الجنب من التيمم ، ولكن خالفهما جمهور الصحابة والتابعين . وإذا تنازع السلف في شيء رد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله ، فوجد الأئمة الكتاب والسنة قد دل على مذهب الجمهور ، فاستقرت أقوال الأئمة على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية