الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 235 ] 113 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في المراد بقول الله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا من هم ؟

761 - حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، حدثنا بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : { لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم السلام ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي } .

[ ص: 236 ] ففي هذا الحديث أن المرادين بما في هذه الآية هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين .

762 - حدثنا فهد ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن جعفر بن عبد الرحمن البجلي ، عن حكيم بن سعد ، عن أم سلمة قالت : نزلت هذه الآية في رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين عليهم السلام : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } .

[ ص: 237 ] ففي هذا الحديث مثل الذي في الأول .

763 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا خالد بن مخلد القطواني ، حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي ، حدثنا ابن هاشم بن عتبة ، عن عبد الله بن وهب ، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع فاطمة والحسن والحسين ، ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله تعالى : رب هؤلاء أهلي ، قالت أم سلمة : فقلت : يا رسول الله فتدخلني معهم ، قال : أنت من أهلي } .

ففي هذا الحديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة جوابا منه لها عند قولها له : تدخلني معهم ، أنت من أهلي ، فكان ذلك مما قد يجوز أن يكون أراد به أنها من أهله لأنها من أزواجه وأزواجه أهله ، كما قال في حديث الإفك الذي قد :

764 - حدثنا يونس ، حدثنا ابن معبد ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن إسحاق بن راشد ، عن الزهري ، عن عروة وسعيد وعلقمة وعبيد الله ، [ ص: 238 ] عن عائشة أن رسول الله عليه السلام في حديث الإفك قام على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي فقال : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت منه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي } فكان قوله : { من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي } يعني في زوجته التي كان أذاه فيها ، فكان في ذلك ما قد دل على أن الزوجة تسمى بهذا الاسم فيحتمل أن يكون { قوله لأم سلمة أنت من أهلي } من هذا المعنى أيضا أنها من أهل الآية المتلوة في هذا الباب ، ومما يدل على ذلك ما قد :

765 - حدثنا الحسين بن الحكم الحبري الكوفي ، حدثنا مخول بن مخول بن راشد الحناط ، حدثنا عبد الجبار بن عباس [ ص: 239 ] الشبامي ، عن عمار الدهني ، عن عمرة بنت أفعى ، عن أم سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيتي : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا يعني في سبعة : جبريل وميكائيل ورسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وأنا على باب البيت فقلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت ؟ قال : إنك من أزواج النبي عليه السلام ، وما قال إنك من أهل البيت .

766 - وما قد حدثنا الحسين أيضا ، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، حدثنا جعفر الأحمر ، عن الأجلح ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة وعبد الملك ، عن عطاء ، عن أم سلمة قالت : { جاءت فاطمة بطعام لها إلى أبيها وهو على منازله فقال : أي بنية ائتيني بأولادي وابني وابن عمك ، قالت : ثم [ ص: 240 ] جللهم أو قالت : حوى عليهم الكساء فقال : هؤلاء أهل بيتي وحامتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت أم سلمة : يا رسول الله وأنا معهم ، قال : أنت من أزواج النبي عليه السلام وأنت على خير أو إلى خير } .

[ ص: 241 ]

767 - وما قد حدثنا أبو أمية ، حدثنا بكر بن يحيى بن زبان ، حدثنا مندل ، عن أبي الجحاف ، عن شهر بن حوشب ، عن { أم سلمة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي فجاءته فاطمة عليها السلام بخزيرة فقال : ادعي لي بعلك فدعته وابنيها ، فجاء بكساء فحفهم به ، ثم أخذ طرفه بيده ، ثم رفع يديه فقال : اللهم إن هؤلاء ذريتي وأهل بيتي فأذهب الرجس عنهم وطهرهم تطهيرا ، قالت : فرفعت الكساء وأدخلت رأسي فيه فقلت : أنا يا رسول الله قال : إنك على خير } .

768 - حدثنا فهد ، حدثنا أبو غسان ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن { أم سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فقلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت ؟ فقال : أنت على خير إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين } .

769 - وما قد حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا روح بن أسلم ، حدثنا [ ص: 242 ] حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة : ائتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم فألقى عليهم كساء فدكيا ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد إنك حميد مجيد ، قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إنك على خير } .

770 - وما قد حدثنا سليمان الكيساني ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد ( ح ) وما قد حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى قالا : حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، حدثنا شهر قال : سمعت { أم سلمة حين جاء نعي الحسين بن علي فقالت : قتلوه قتلهم الله وعروه وذلوه لعنهم الله ، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءته فاطمة غدية ببرمة لها قد صنعت منها عصيدة تحملها في طبق لها حتى وضعتها بين يديه ، فقال لها : أين ابن عمك ؟ فقالت : هو في البيت قال : اذهبي فادعيه وائتيني بابنيك قالت : فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما ، وعلي في أثرهم يمشي حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسهما في حجره وجلس علي على يمينه وجلست فاطمة على يساره ، قالت أم سلمة : فاجتبذ من تحتي كساء [ ص: 243 ] حبيرا كان بساطا لنا على المنامة بالمدينة فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم جميعا ، فأخذ بشماله طرفي الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربه عز وجل ، فقال : اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، ثلاث مرار ، قالت : قلت : يا رسول الله ألست من أهلك ، قال : بلى ، قال : فادخلي في الكساء ، قالت : فدخلت بعدما قضى دعاءه لابن عمه علي وابنيه وابنته فاطمة عليهم السلام } .

771 - وما قد حدثنا إبراهيم بن أحمد بن مروان الواسطي أبو إسحاق ، حدثنا محمد بن أبان الواسطي ، حدثنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني ، عن يحيى بن عبيد المكي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن { عمر بن أبي سلمة قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قالت : فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين وفاطمة فأجلسهم بين يديه ودعا عليا فأجلسه خلف ظهره ، ثم جللهم جميعا بالكساء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم [ ص: 244 ] الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت أم سلمة : اللهم اجعلني منهم قال : أنت مكانك وأنت على خير } .

772 - وما قد حدثنا فهد ، حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن { عمرة الهمدانية قالت : أتيت أم سلمة فسلمت عليها فقالت : من أنت فقلت : عمرة الهمدانية فقالت عمرة : يا أم المؤمنين أخبريني عن هذا الرجل الذي قتل بين أظهرنا ، فمحب ومبغض تريد علي بن أبي طالب ، قالت أم سلمة : أتحبينه أم تبغضينه ؟ قالت : ما أحبه ولا أبغضه ، فقالت : أنزل الله هذه الآية إنما يريد الله ... إلى آخرها ، وما في البيت إلا جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين عليهم السلام ، فقلت : يا رسول الله أنا من أهل البيت ؟ فقال : إن لك عند الله خيرا ، فوددت أنه قال نعم فكان أحب إلي مما تطلع عليه الشمس وتغرب } .

فدل ما روينا في هذه الآثار مما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم [ ص: 245 ] سلمة مما ذكر فيها لم يرد به أنها كانت ممن أريد به مما في الآية المتلوة في هذا الباب ، وأن المرادين بما فيها هم : رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين عليهم السلام ، دون من سواهم .

ومما يدل على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لأم سلمة فيما روي في هذه الآثار من قوله لها : { أنت من أهلي } .

773 - ما قد حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي وسليمان الكيساني قالا : حدثنا بشر بن بكر البجلي ، عن الأوزاعي ، أخبرني أبو عمار ، حدثني { واثلة قال : أتيت عليا فلم أجده فقالت فاطمة : انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه ، قال : فجاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلا ودخلت معهما ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين ، فأقعد كل واحد منهما على فخذه وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ، ثم لف عليهم ثوبا وأنا منتبذ ، ثم قال : إنما يريد الله ... الآية ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهلي إنهم أهل حق ، فقلت : يا رسول الله وأنا من أهلك ؟ قال : وأنت من أهلي } قال واثلة : فإنها من أرجى ما أرجو [ ص: 246 ] وواثلة أبعد منه عليه السلام من أم سلمة منه ؛ لأنه إنما هو رجل من بني ليث ليس من قريش ، وأم سلمة موضعها من قريش موضعها الذي هي به منه ، فكان قوله لواثلة : { أنت من أهلي } على معنى لاتباعك إياي وإيمانك بي فدخلت بذلك في جملتي .

وقد وجدنا الله قد ذكر في كتابه ما يدل على هذا المعنى بقوله : ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي فأجابه في ذلك بأن قال له : إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فكما جاز أن يخرجه من أهله وإن كان ابنه لخلافه إياه في دينه جاز أن يدخل في أهله من يوافقه على دينه وإن لم يكن من ذوي نسبه .

فمثل ذلك أيضا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابا لأم سلمة : أنت من أهلي ، يحتمل أن يكون على هذا المعنى أيضا ، وأن يكون قوله لها ذلك كقوله مثله لواثلة ، وحديث سعد وما قد ذكرناه معه من [ ص: 247 ] الأحاديث في أول هذا الباب معقول بها من أهل الآية المتلوة فيها لأنا قد أحطنا علما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا من دعا من أهله عند نزولها لم يبق من أهلها المرادين فيها أحدا سواهم ، وإذا كان ذلك كذلك استحال أن يدخل معهم فيما أريدت به سواهم ، وفيما ذكرنا من ذلك بيان ما وصفنا .

فإن قال قائل : فإن كتاب الله يدل على أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هم المقصودون بتلك الآية لأنه قال قبلها في السورة التي هي فيها : يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن إلى قوله : يا نساء النبي لستن إلى قوله : الجاهلية الأولى فكان ذلك كله يردن به لأنه على خطاب النساء لا على خطاب الرجال ، ثم قال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس الآية .

فكان جوابنا له أن الذي تلاه إلى آخر ما قبل قوله : إنما يريد الله الآية خطاب لأزواجه ، ثم أعقب ذلك بخطابه لأهله بقوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب الآية ، فجاء على خطاب الرجال لأنه قال فيه : ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم وهكذا خطاب الرجال وما قبله ، فجاء به بالنون ، وكذلك خطاب النساء ، فعقلنا أن قوله : إنما يريد الله ليذهب الآية خطاب لمن أراده من الرجال بذلك ليعلمهم تشريفه لهم ورفعته لمقدارهم أن جعل نساءهم من قد وصفه لما وصفه به مما في الآيات المتلوات قبل الذي خاطبهم به تعالى ، ومما دل على ذلك أيضا :

[ ص: 248 ]

774 - ما قد حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج لصلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله الآية .

775 - وما قد حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا أبو عاصم النبيل ، عن عبادة قال أبو جعفر ، وهو ابن مسلم الفزاري من أهل الكوفة قد روى عنه أبو نعيم قال : حدثني أبو داود قال أبو جعفر ، وهو نفيع الهمداني الأعمى من أهل الكوفة أيضا قال : حدثني { أبو الحمراء قال : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أشهر ، كان إذا أصبح أتى باب فاطمة عليها السلام فقال : السلام عليكم أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت الآية .

وفي هذا أيضا دليل على أهل هذه من هم ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية