الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2585 باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار ، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم ، وإذا قال : مائة إلا واحدة ، أو ثنتين

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب في بيان ما يجوز من الاشتراط ، وقال ابن بطال : وقع في بعض النسخ باب ما لا يجوز في الاشتراط والثنيا ، قال : وهو خطأ ، والصواب باب ما يجوز ، والحديث الذي ذكره البخاري بعد يدل على صحته . قوله : ( والثنيا ) بضم الثاء المثلثة ، وسكون النون بعدها ياء آخر الحروف مقصور ، أي : الاستثناء في الإقرار سواء كان استثناء قليل من كثير ، أو بالعكس ، فالأول لا خلاف فيه أنه يجوز ، والثاني مختلف فيه ، وحديث الباب يدل على جواز استثناء القليل من الكثير ، وهذا جائز عند أهل اللغة والفقه والحديث ، قال الداودي : أجمعوا على أن من استثنى في إقراره ما بقي بعده بقية ما أقر به أن له ثنياه ، فإذا [ ص: 21 ] قال له : علي ألف إلا تسعمائة وتسعة وتسعين صح ولزمه واحد ، قال : وكذلك لو قال : أنت طالق ثلاثة إلا ثنتين لقوله تعالى فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما قال ابن التين : وهذا الذي ذكره الداودي أنه إجماع ليس كذلك ، ولكن هو مشهور مذهب مالك ، وذكر الشيخ أبو الحسن قولا ثالثا في قوله : أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين أنه يلزمه ثلاث ، وذكر القاضي في معونته عن عبد الملك وغيره أنه يقول : لا يصح استثناء الأكثر ، واحتجاج الداودي بهذه الآية غير بين ، وإنما الحجة في ذلك قوله تعالى : إلا من اتبعك من الغاوين وقوله : إلا عبادك منهم المخلصين فإن جعلت المخلصين الأكثر ، فقد استثناهم ، وإن جعلت الغاوين الأكثر ، فقد استثناهم أيضا ; ولأن الاستثناء إخراج ، فإذا جاز إخراج الأقل جاز إخراج الأكثر ، ومذهب البصريين من أهل اللغة ، وابن الماجشون المنع ، وإليه ذهب البخاري حيث أدخل هذا الحديث هنا باستثناء القليل من الكثير . قوله : ( والشروط ) أي ، وفي بيان الشروط التي يتعارفها الناس بينهم نحو أن يشتري نعلا ، أو شراكا ، بشرط أن يحذوه البائع ، أو اشترى أديما بشرط أن يخرز له خفا ، أو اشترى قلنسوة بشرط أن يبطنه البائع ، فإن هذه الشروط كلها جائزة ; لأنه متعارف متعامل بين الناس ، وفيه خلاف زفر ، وكذا لو اشترى شيئا ، وشرط أن يرهنه بالثمن رهنا وسماه ، أو يعطيه كفيلا وسماه ، والكفيل حاضر وقبله ، وكذلك الحوالة جاز استحسانا خلافا لزفر ، وأما الشروط التي لا يتعارفها الناس فباطلة نحو ما إذا اشترى حنطة ، وشرط على البائع طحنها ، أو حملانها إلى منزله ، أو اشترى دارا على أن يسكنها شهرا ، فإن ذلك كله لا يصح لعدم التعارف والتعامل . قوله : ( وإذا قال مائة إلا واحدة أو اثنتين ) أشار بهذا إلى أن اختياره جواز استثناء القليل من الكثير ، وعدم جواز عكسه ، وذكر بهذا صورة استثناء القليل من الكثير نحو ما إذا قال لفلان علي مائة درهم مثلا إلا واحدة ، أو إلا اثنتين ، فإنه يصح ويلزمه في قوله : إلا واحدة تسعة وتسعون درهما ، وفي قوله : إلا اثنتين يلزمه ثمانية وتسعون درهما .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية