الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب صفة صلاة الاستسقاء وجوازها قبل الخطبة

                                                                                                                                            1345 - ( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم يوما يستسقي ، فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ، ثم خطبنا ودعا الله عز وجل وحول وجهه نحو القبلة رافعا يديه ، ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن } رواه أحمد والمؤيد بالله أنه لا خطبة في الاستسقاء ، واستدلا لذلك بقول ابن عباس الآتي : " ولم يخطب " وابن ماجه ) [ ص: 8 ]

                                                                                                                                            1346 - ( وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم استقبل القبلة فدعا } رواه أحمد )

                                                                                                                                            1347 - ( وعنه أيضا قال { : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقي قال : فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو ، ثم حول رداءه ، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة } رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي ورواه مسلم ، ولم يذكر الجهر بالقراءة ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث الأول أخرجه أيضا أبو عوانة والبيهقي ، وقال : تفرد به النعمان بن راشد وقال في الخلافيات : رواته ثقات ، والرواية الأولى من حديث عبد الله بن زيد ، ذكرها الحافظ في التلخيص والفتح ولم يتكلم عليها مع معارضتها للرواية الأخرى المذكورة في الصحيحين وقد أخرج نحوها ابن قتيبة في الغريب من حديث أنس وقد اختلفت الأحاديث في تقديم الخطبة على الصلاة أو العكس ففي حديث أبي هريرة وحديث أنس وحديث عبد الله بن زيد عند أحمد أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة وفي حديث عبد الله بن زيد في الصحيحين وغيرهما : وكذا في حديث ابن عباس عند أبي داود ، وحديث عائشة المتقدم " أنه بدأ بالخطبة قبل الصلاة " ولكنه لم يصرح في حديث عبد الله بن زيد الذي في الصحيحين أنه خطب ، وإنما ذكر تحويل الظهر لمشابهتها للعيد .

                                                                                                                                            وكذا قال القرطبي : يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة بمشابهتها للعيد وكذا ما تقرر من تقديم الصلاة أمام الحاجة قال في الفتح : ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك " أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب " فاقتصر بعض الرواة على شيء ، وعبر بعضهم بالدعاء عن الخطبة فلذلك وقع الاختلاف والمرجح عند الشافعية والمالكية الشروع بالصلاة .

                                                                                                                                            وعن أحمد رواية كذلك قال النووي : وبه قال الجماهير وقال الليث : بعد الخطبة وكان مالك يقول به ثم رجع إلى قول الجماهير قال : قال أصحابنا : ولو قدم الخطبة على الصلاة صحتا ، ولكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز التقديم والتأخير ، واختلفت الرواية في ذلك عن الصحابة انتهى وجواز التقديم والتأخير بلا أولوية هو الحق وحكى المهدي في البحر عن الهادي [ ص: 9 ] كخطبتكم " وهو غفلة عن أحاديث الباب ، وابن عباس إنما نفى وقوع خطبة منه صلى الله عليه وسلم مشابهة لخطبة المخاطبين ، ولم ينف وقوع مطلق الخطبة منه صلى الله عليه وسلم كما يدل على ذلك ما وقع في الرواية التي ستأتي من حديثه " أنه صلى الله عليه وسلم رقي المنبر " .

                                                                                                                                            وقد دلت الأحاديث الكثيرة على مشروعية صلاة الاستسقاء ، وبذلك قال جمهور العلماء من السلف والخلف ، ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة مستدلا بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها صلاة واحتج الجمهور بالأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الاستسقاء ركعتين " وهي مشتملة على الزيادة التي لم تقع منافية فلا معذرة عن قبولها ، وقد وقع الإجماع من المثبتين للصلاة على أنها ركعتان كما حكى ذلك النووي في شرح مسلم والحافظ في الفتح للتصريح بذلك في أحاديث الباب وغيرها وقد قال الهادي : إنها أربع بتسليمتين واستدل له بأن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى في الجمعة وهي بالخطبة أربع ، ونصب مثل هذا الكلام الذي هو عن الدلالة على مطلوب المستدل بمراحل في مقابلة الأدلة الصحيحة الصريحة من الغرائب التي يتعجب منها ووقع الاتفاق أيضا بين القائلين بصلاة الاستسقاء على أنها سنة غير واجبة كما حكى ذلك النووي وغيره واختلف في صفة صلاة الاستسقاء ; فقال الشافعي وابن جرير .

                                                                                                                                            وروي عن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنه يكبر فيها كتكبير العيد ، وبه قال زيد بن علي ومكحول ، وهو مروي عن أبي يوسف ومحمد . وقال الجمهور : إنه لا تكبير فيها . واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك . وقال داود : إنه مخير بين التكبير وتركه . استدل الأولون بحديث ابن عباس الآتي بلفظ { فصلى ركعتين كما يصلي في العيد } وتأوله الجمهور على أن المراد كصلاة العيد في العدد والجهر بالقراءة وكونها قبل الخطبة . وقد أخرج الدارقطني من حديث ابن عباس أنه يكبر فيها سبعا وخمسا كالعيد ، وأنه يقرأ فيها : بسبح ، وهل أتاك وفي إسناده محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري وهو متروك وأحاديث الباب تدل على أنه يستحب للإمام أن يستقبل القبلة ويحول ظهره إلى الناس ويحول رداءه ، وسيأتي الكلام على ذلك قوله : ( جهر فيهما بالقراءة ) قال النووي في شرح مسلم : أجمعوا على استحبابه ، وكذلك نقل الإجماع على استحباب الجهر ابن بطال .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية