الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في قتل النساء والصبيان في أرض العدو قلت لابن القاسم : هل كان مالك يكره قتل النساء والصبيان والشيخ الكبير في أرض الحرب ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم . قلت : فهل كان مالك يكره قتل الرهبان المحبسين في الصوامع والديارات ؟ قلت : أرأيت الراهب هل يقتل ؟

                                                                                                                                                                                      قال : سمعت مالكا يقول لا يقتل الراهب ، قال مالك : وأرى أن يترك لهم من أموالهم ما يعيشون به لا يأخذوا منهم أموالهم كلها فلا يجدون ما يعيشون به فيموتون ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد ربه بن سعيد عن سلمة بن كهيل عن شقيق بن سلمة عن جرير بن عبد الله البجلي قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية قال باسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان } . مالك عن ابن شهاب ، أن ابنا لكعب بن مالك الأنصاري أخبره قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم النفر الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان } مالك وغيره عن نافع { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان . } ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه ، قال حدثني المرقع بن صيفي أن جده رباح بن ربيع أخا حنظلة الكاتب أخبره ، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها كان على مقدمة فيها خالد بن الوليد ، فمر رباح وأصحاب رسول الله على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة ، فوقفوا عليها ينظرون إليها ويعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له فانفرجوا عن المرأة ، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : { هاه ما كانت هذه تقاتل ، قال : ثم نظر في وجوه القوم فقال لأحدهم الحق بخالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا عسيفا } .

                                                                                                                                                                                      مالك عن يحيى بن سعيد ، [ ص: 500 ] أن أبا بكر الصديق بعث جيشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان على ربع من الأرباع ، فقال يزيد لأبي بكر : إما أن تركب وإما أن أنزل ؟ فقال له : ما أنت بنازل وما أنا براكب احتسب خطاي هذه في سبيل الله ، فقال : إنك ستجد قوما قد فحصوا عن أواسط رءوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف ، وستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله تعالى فدعهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له ، وإني موصيك بعشر : لا تقتلن امرأة ، ولا صبيا ، ولا كبيرا هرما ، ولا تقطعن شجرا مثمرا ، ولا تخربن عامرا ، ولا تعقرن شاة ، ولا بعيرا إلا لمأكله ، ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه ، ولا تغلل ولا تجبن ، وذكر عن عمر بن الخطاب أنه قال : لا تقتلوا هرما ولا امرأة ولا وليدا وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان ، وعند حمة النهضات ، وفي شن الغارات قلت لابن القاسم : هل كان مالك يكره أن تحرق قراهم وحصونهم بالنيران أو تغرق بالماء ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : لا بأس أن تحرق قراهم وحصونهم بالنيران وتغرق بالماء وتخرب .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : وأصل ما جاء عن أبي بكر في النهي عن قطع الشجر وخراب العامر ، أن ذلك لم يكن من أبي بكر رحمة الله عليه نظرا للشرك وأهله ، والحيطة لهم ولا ذبا عنهم ، ولكن أراد النظر للإسلام وأهله والحيطة لهم والتوهين للشرك ، ولأنه رجا أن يصير ذلك للمسلمين ، وإن خرابه وهن على المسلمين للذي رجاه من كونه للمسلمين لأن خرابه ضرر على الإسلام وأهله ولم يرد به نظرا لأهل الشرك ومنع نواحيه ، وكل بلد لا رجاء للمسلمين في الظهور عليها والمقدرة فوهن ذلك وضرورة على أهل الشرك ، وهو أصل قول مالك وأصل هذا الملك ، وقد اختلف عن مالك في الرهبان ، فقال مالك : فيهم التدبير والنظر والبغض للدين والحب له ، والذب عن النصرانية فهم أنكى ممن يقاتل بدينه ، وأضر بالمسلمين ، والأكثر والغالب أنهم لا يقتلون يعني الرهبان والشيخ الكبير . ابن وهب وذكر مخرمة بن بكير عن أبيه قال : سألت عبد الرحمن بن القاسم ونافعا مولى ابن عمر عن شجر العدو : هل تقطع وهل تهدم بيوتهم ؟ قال : نعم . قلت لابن القاسم : فقطع الشجر المثمر وغير المثمر أكان مالك يرى به بأسا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : يقطع الشجر في بلادهم المثمر وغير المثمر ولا بأس بذلك ، قلت : وهل كان يرى حرق قراهم وحصونهم وقطع شجرهم وخراب بلادهم أفضل من ترك ذلك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا أدري ، ولكني سمعته يقول : لا بأس بذلك وكان يتأول هذه الآية { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } ويتأول هذه الآية إذا ذكر قطع الشجر وخراب بلادهم ، وقد ذكر مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير ابن وهب عن الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرق نخل بني النضير وهي البويرة ، ولها يقول حسان بن ثابت : [ ص: 501 ]

                                                                                                                                                                                      وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

                                                                                                                                                                                      فأنزل الله تبارك وتعالى { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الجليل بن عبيد اليحصبي أنه سمع ابن شهاب يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أسامة بن زيد حين بعثه إلى الشام أن يسير حتى يأتي أبنى فيحرق ويهريق دما ففعل ذلك أسامة بن زيد . ابن وهب عن عمرو بن الحارث ، أن بكيرا حدثه قال : سمعت سليمان بن يسار يقول : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد على جيش فأمره أن يحرق في أبنى .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية