الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما تقرر ما شرعه من التعفف وعدم التنطع والتكلف، وكان قد أخبر أن من عمههم تكلفهم السؤال عن الساعة، والشياطين لا يفترون عن إغوائهم، أخبره عن مطلق تكلفهم تعجبا منهم وإشهادا لتماديهم مع إغواء شياطينهم، وأمره صلى الله عليه وسلم بما يجيبهم به فقال عاطفا على: يمدونهم وإذا لم تأتهم بآية أي: على حسب اقتراحهم قالوا لولا أي: هلا اجتبيتها والجبي: الجمع، والإجباء تركه، والاجتباء: الجد في الجمع، ويلزم منه الاصطفاء والاختيار، فمعنى اجتبيتها اجتلبتها، أي: تكلفت من عند نفسك الإتيان بها مختارة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المقام داعيا إلى السؤال في تعليم الجواب، أسعف ذلك بقوله: قل أي: إذا قالوا ذلك إنما أتبع أي: أتعمد وأتكلف اتباع ما يوحى إلي أي: يأتيني به الملك من ربي أي: المحسن إلي بتعليمي ما ينفعني، لا أني آتي بشيء من عند نفسي ولا أقترح على ربي.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما حصر حاله في اتباع الوحي كان كأنه قيل: ما هذا الذي [ ص: 208 ] يوحى إليك؟ فقال - ويجوز أن يكون تعليلا لاتباعه لأنه كاف في إثبات نبوته مغن عن الآيات المقترحة قاهر في وجوب اتباعه -: هذا مشيرا إلى ما يوحى إليه تنبيها على أنه يجب أن يكون مستحضرا في سائر الأذهان، حاضرا بين عيني كل إنسانبصائر أي: أشياء هي - على حسب ما طلبتم - مجتباة، بل هي خيار الخيار، يكون بها نور القلب فيصير للعيون أيضا بصر يقربه مما يحث الكتاب على نظره من الآيات المرئيات إلى علوم لم تكن لها قبل ذلك، وهي حجج بينة قاهرة على تصديقي وقبول كل ما جئت به، وسماه بذلك لأنه سبب لبصر العقول بدلائل التوحيد والنبوة والمعاد وجميع الشريعة أصولا وفروعا، فهو تسمية للسبب باسم المسبب، وعلي مدحها بقوله: من ربكم أي: الذي لم يقطع إحسانه عنكم أصلا، فهو جدير بأن يتلقى ما أتى منه بكل جميل.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت البصائر جمعا، وكانت العادة جارية بأن مفردات الجمع تكون متفاوتة، أكدها بما يشير إلى أنها خارقة للعادة في أنها على حد سواء في أعلى طبقات الهداية فقال: وهدى أي: بيان; ولما كان البيان قد لا يكون على وجه الإكرام، قال: ورحمة أي: إكرام. [ ص: 209 ] ولما كان من لا ينتفع بالشيء يصح أن ينفي عن الشيء النافع النفع بالنسبة إليه، قال: لقوم يؤمنون أي: يوجدون هذه الحقيقة ويستمرون على تجديدها في كل وقت، وأما غيرهم فقد يكون عليهم عذابا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية