بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الدعوات وقول الله تعالى ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين باب لكل نبي دعوة مستجابة
5945 حدثنا قال حدثني إسماعيل عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج أبي هريرة لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
كتاب الدعوات
- باب لكل نبي دعوة مستجابة
- باب أفضل الاستغفار
- باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة
- باب التوبة
- باب الضجع على الشق الأيمن
- باب إذا بات طاهرا وفضله
- باب ما يقول إذا نام
- باب وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن
- باب النوم على الشق الأيمن
- باب الدعاء إذا انتبه بالليل
- باب التكبير والتسبيح عند المنام
- باب التعوذ والقراءة عند المنام
- باب الدعاء نصف الليل
- باب الدعاء عند الخلاء
- باب ما يقول إذا أصبح
- باب الدعاء في الصلاة
- باب الدعاء بعد الصلاة
- باب قول الله تعالى وصل عليهم ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه
- باب ما يكره من السجع في الدعاء
- باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له
- باب يستجاب للعبد ما لم يعجل
- باب رفع الأيدي في الدعاء
- باب الدعاء غير مستقبل القبلة
- باب الدعاء مستقبل القبلة
- باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله
- باب الدعاء عند الكرب
- باب التعوذ من جهد البلاء
- باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم الرفيق الأعلى
- باب الدعاء بالموت والحياة
- باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم
- باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
- باب هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة
- باب التعوذ من الفتن
- باب التعوذ من غلبة الرجال
- باب التعوذ من عذاب القبر
- باب التعوذ من فتنة المحيا والممات
- باب التعوذ من المأثم والمغرم
- باب الاستعاذة من الجبن والكسل كسالى وكسالى واحد
- باب التعوذ من البخل
- باب التعوذ من أرذل العمر
- باب الدعاء برفع الوباء والوجع
- باب الاستعاذة من أرذل العمر ومن فتنة الدنيا وفتنة النار
- باب الاستعاذة من فتنة الغنى
- باب التعوذ من فتنة الفقر
- باب الدعاء بكثرة المال مع البركة
- باب الدعاء عند الاستخارة
- باب الدعاء عند الوضوء
- باب الدعاء إذا علا عقبة
- باب الدعاء إذا هبط واديا
- باب الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع
- باب الدعاء للمتزوج
- باب ما يقول إذا أتى أهله
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة
- باب التعوذ من فتنة الدنيا
- باب تكرير الدعاء
- باب الدعاء على المشركين
- باب الدعاء للمشركين
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت
- باب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يستجاب لنا في اليهود ولا يستجاب لهم فينا
- باب التأمين
- باب فضل التهليل
- باب فضل التسبيح
- باب فضل ذكر الله عز وجل
- باب قول لا حول ولا قوة إلا بالله
- باب لله مائة اسم غير واحد
- باب الموعظة ساعة بعد ساعة
التالي
السابق
9421 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الدعوات بفتح المهملتين جمع دعوة بفتح أوله وهي المسألة الواحدة الطلب والدعاء إلى الشيء الحث على فعله ودعوت فلانا سألته ودعوته استغثته ويطلق أيضا على رفعة القدر كقوله - تعالى - : والدعاء ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة كذا قال الراغب ويمكن رده إلى الذي قبله ويطلق الدعاء أيضا على العبادة .
والدعوى بالقصر الدعاء كقوله - تعالى - : وآخر دعواهم والادعاء كقوله - تعالى - : فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا وقال الراغب : الدعاء على التسمية كقوله - تعالى - لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وقال الراغب : الدعاء والنداء واحد لكن قد يتجرد النداء عن الاسم والدعاء لا يكاد يتجرد وقال الشيخ أبو القاسم القشيري في " شرح الأسماء الحسنى " ما ملخصه جاء الدعاء في القرآن على وجوه منها العبادة ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ومنها الاستغاثة وادعوا شهداءكم ، ومنها السؤال ادعوني أستجب لكم ، ومنها القول دعواهم فيها سبحانك اللهم والنداء يوم يدعوكم ، والثناء قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن .
قوله وقول الله - تعالى - : ادعوني أستجب لكم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى قوله : داخرين وهذه الآية ظاهرة في ترجيح الدعاء على التفويض وقالت طائفة الأفضل ترك الدعاء والاستسلام للقضاء وأجابوا عن الآية بأن آخرها دل على أن المراد بالدعاء العبادة لقوله إن الذين يستكبرون عن عبادتي واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ثم قرأ الدعاء هو العبادة وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي الآية أخرجه الأربعة وصححه الترمذي . وشذت طائفة فقالوا المراد بالدعاء في الآية ترك الذنوب وأجاب الجمهور أن الدعاء من أعظم والحاكم العبادة فهو كالحديث الآخر أي معظم الحج وركنه الأكبر ويؤيده ما أخرجه الحج عرفة الترمذي من حديث أنس رفعه " " وقد تواردت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالترغيب في الدعاء والحث عليه كحديث الدعاء مخ العبادة رفعه أبي هريرة أخرجه ليس شيء أكرم على الله من الدعاء الترمذي وصححه وابن ماجه ابن حبان وحديثه رفعه : والحاكم أخرجه من لم يسأل الله يغضب عليه أحمد في " الأدب المفرد " والبخاري والترمذي وابن ماجه والبزار كلهم من رواية والحاكم أبي صالح الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي عنه وهذا الخوزي مختلف فيه ضعفه ابن معين وقواه أبو زرعة وظن الحافظ بن كثير أنه أبو صالح السمان فجزم بأن أحمد تفرد بتخريجه وليس كما قال فقد جزم شيخه المزي في " الأطراف " بما قلته ووقع في رواية البزار عن والحاكم أبي [ ص: 98 ] صالح الخوزي " سمعت " قال أبا هريرة الطيبي : معنى الحديث أن من لم يسأل الله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه والله يحب أن يسأل انتهى ويؤيده حديثابن مسعود رفعه أخرجه سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل الترمذي وله من حديث ابن عمر رفعه وفي سنده لين وقد صححه مع ذلك إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء . وأخرج الحاكم في الدعاء بسند رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة بقية عن الطبراني عائشة مرفوعا وقال الشيخ إن الله يحب الملحين في الدعاء تقي الدين السبكي : الأولى حمل الدعاء في الآية على ظاهره وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط أن فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء وعلى هذا فالوعيد إنما هو في حق من ترك الدعاء استكبارا ومن فعل ذلك كفر وأما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور وإن كنا نرى أن ملازمة الدعاء والاستكثار منه أرجح من الترك لكثرة الأدلة الواردة في الحث عليه . الدعاء أخص من العبادة
قلت وقد دلت الآية الآتية قريبا في السورة المذكورة أن الإجابة مشترطة بالإخلاص وهو قوله - تعالى - : فادعوه مخلصين له الدين وقال الطيبي : معنى حديث النعمان أن تحمل العبادة على المعنى اللغوي إذ الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له وما شرعت العبادات إلا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه ولهذا ختم الآية بقوله - تعالى - : إن الذين يستكبرون عن عبادتي حيث عبر عن عدم التذلل والخضوع بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان .
وحكى القشيري في " الرسالة " الخلاف في المسألة فقال اختلف أي الأمرين أولى : الدعاء أو السكوت والرضا ؟ فقيل : الدعاء وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الأدلة لما فيه من إظهار الخضوع والافتقار وقيل السكوت والرضا أولى لما في التسليم من الفضل .
قلت وشبهتهم أن الداعي لا يعرف ما قدر له فدعاؤه إن كان على وفق المقدور فهو تحصيل الحاصل وإن كان على خلافه فهو معاندة والجواب عن الأول أن الدعاء من جملة العبادة لما فيه من الخضوع والافتقار وعن الثاني أنه إذا اعتقد أنه لا يقع إلا ما قدر الله تعالى كان إذعانا لا معاندة تحصيل الثواب بامتثال الأمر ولاحتمال أن يكون المدعو به موقوفا على الدعاء لأن الله خالق الأسباب ومسبباتها قال وقالت طائفة ينبغي أن يكون داعيا بلسانه راضيا بقلبه ، قال والأولى أن يقال إذا وجد في قلبه إشارة الدعاء فالدعاء أفضل وبالعكس . وفائدة الدعاء
قلت القول الأول أعلى المقامات أن يدعو بلسانه ويرضى بقلبه والثاني لا يتأتى من كل أحد بل ينبغي أن يختص به الكمل قال القشيري : ويصح أن يقال ما كان لله أو للمسلمين فيه نصيب فالدعاء أفضل وما كان للنفس فيه حظ فالسكوت أفضل وعبر ابن بطال عن هذا القول لما حكاه بقوله يستحب أن يدعو لغيره ويترك لنفسه وعمدة من أول الدعاء في الآية بالعبادة أو غيرها قوله - تعالى - : فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وإن كثيرا من الناس يدعو فلا يستجاب له فلو كانت على ظاهرها لم يتخلف والجواب عن ذلك أن لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه كل داع يستجاب له الترمذي من حديث والحاكم عبادة بن الصامت رفعه ولأحمد من حديث ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها : " أبي هريرة " وله في حديث إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له أبي سعيد رفعه وصححه ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . وهذا شرط ثان للإجابة ولها شروط أخرى منها أن يكون طيب المطعم والملبس لحديث فأنى يستجاب لذلك " وسيأتي بعد عشرين بابا من [ ص: 99 ] حديث الحاكم ومنها ألا يكون يستعجل لحديث أبي هريرة أخرجه يستجاب لأحدكم ما لم يقل دعوت فلم يستجب لي مالك .
9423 قوله ( باب ) كذا لكل نبي دعوة مستجابة لأبي ذر وسقط لفظ " باب " لغيره فصار من جملة الترجمة الأولى ومناسبتها للآية الإشارة إلى أن بعض الدعاء لا يستجاب عينا
قوله : هو ابن أبي أويس . إسماعيل
قوله ( مستجابة ) كذا لأبي ذر ولم أرها عند الباقين ولا في شيء من نسخ الموطأ
قوله يدعو بها ) زاد في رواية الأعمش عن أبي صالح عن " أبي هريرة " وفي حديث فيعجل كل نبي دعوته أنس ثاني حديثي الباب " فاستجيب له "
قوله وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة وفي رواية أبي سلمة عن الآتية في التوحيد " أبي هريرة " وزيادة " إن شاء الله " في هذا للتبرك فأريد إن شاء الله أن أختبئ ولمسلم " من رواية أبي صالح عن " وإني اختبأت " وفي حديث أبي هريرة أنس " فجعلت دعوتي " وزاد " يوم القيامة " وزاد أبو صالح فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا " وقوله : من مات " في محل نصب على المفعولية و " لا يشرك بالله " في محل نصب على الحال والتقدير شفاعتي نائلة من مات غير مشرك وكأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يؤخرها ثم عزم ففعل ورجا وقوع ذلك فأعلمه الله به فجزم به وسيأتي تتمة الكلام على الشفاعة وأنواعها في أول كتاب الرقاق - إن شاء الله تعالى .
وقد استشكل ظاهر الحديث بما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة ولا سيما نبينا - صلى الله عليه وسلم - وظاهره أن فقط والجواب أن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة وقيل معنى قوله " لكل نبي دعوة " أي أفضل دعواته ولهم دعوات أخرى وقيل لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب وقيل لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه كقول لكل نبي دعوة مستجابة نوح لا تذر على الأرض وقول زكريا فهب لي من لدنك وليا يرثني وقول سليمان وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي حكاه ابن التين .
وقال بعض شراح " المصابيح " ما لفظه اعلم أن جميع دعوات الأنبياء مستجابة والمراد بهذا الحديث أن كل نبي دعا على أمته بالإهلاك إلا أنا فلم أدع فأعطيت الشفاعة [ ص: 100 ] عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم والمراد بالأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة وتعقبه الطيبي [1] بأنه - صلى الله عليه وسلم - دعا على أحياء من العرب ودعا على أناس من قريش بأسمائهم ودعا على رعل وذكوان ودعا على مضر ، قال والأولى أن يقال إن الله جعل لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته فنالها كل منهم في الدنيا وأما نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم فبقي تلك الدعوة المستجابة مدخرة للآخرة وغالب من دعا عليهم لم يرد إهلاكهم وإنما أراد ردعهم ليتوبوا .
وأما جزمه أولا بأن جميع أدعيتهم مستجابة ففيه غفلة عن الحديث الصحيح الحديث " قال سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ابن بطال : في هذا الحديث حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة ولم يجعلها أيضا دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم وقال بيان فضل نبينا - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأنبياء : هذا من حسن تصرفه - صلى الله عليه وسلم - لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي ومن كثرة كرمه لأنه آثر أمته على نفسه ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين وقال ابن الجوزي النووي : فيه واعتناؤه بالنظر في مصالحهم فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم وأما قوله " فهي نائلة " ففيه دليل لأهل السنة أن كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ورأفته بهم ولو مات مصرا على الكبائر من مات غير مشرك لا يخلد في النار
والدعوى بالقصر الدعاء كقوله - تعالى - : وآخر دعواهم والادعاء كقوله - تعالى - : فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا وقال الراغب : الدعاء على التسمية كقوله - تعالى - لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وقال الراغب : الدعاء والنداء واحد لكن قد يتجرد النداء عن الاسم والدعاء لا يكاد يتجرد وقال الشيخ أبو القاسم القشيري في " شرح الأسماء الحسنى " ما ملخصه جاء الدعاء في القرآن على وجوه منها العبادة ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ومنها الاستغاثة وادعوا شهداءكم ، ومنها السؤال ادعوني أستجب لكم ، ومنها القول دعواهم فيها سبحانك اللهم والنداء يوم يدعوكم ، والثناء قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن .
قوله وقول الله - تعالى - : ادعوني أستجب لكم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى قوله : داخرين وهذه الآية ظاهرة في ترجيح الدعاء على التفويض وقالت طائفة الأفضل ترك الدعاء والاستسلام للقضاء وأجابوا عن الآية بأن آخرها دل على أن المراد بالدعاء العبادة لقوله إن الذين يستكبرون عن عبادتي واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ثم قرأ الدعاء هو العبادة وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي الآية أخرجه الأربعة وصححه الترمذي . وشذت طائفة فقالوا المراد بالدعاء في الآية ترك الذنوب وأجاب الجمهور أن الدعاء من أعظم والحاكم العبادة فهو كالحديث الآخر أي معظم الحج وركنه الأكبر ويؤيده ما أخرجه الحج عرفة الترمذي من حديث أنس رفعه " " وقد تواردت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالترغيب في الدعاء والحث عليه كحديث الدعاء مخ العبادة رفعه أبي هريرة أخرجه ليس شيء أكرم على الله من الدعاء الترمذي وصححه وابن ماجه ابن حبان وحديثه رفعه : والحاكم أخرجه من لم يسأل الله يغضب عليه أحمد في " الأدب المفرد " والبخاري والترمذي وابن ماجه والبزار كلهم من رواية والحاكم أبي صالح الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي عنه وهذا الخوزي مختلف فيه ضعفه ابن معين وقواه أبو زرعة وظن الحافظ بن كثير أنه أبو صالح السمان فجزم بأن أحمد تفرد بتخريجه وليس كما قال فقد جزم شيخه المزي في " الأطراف " بما قلته ووقع في رواية البزار عن والحاكم أبي [ ص: 98 ] صالح الخوزي " سمعت " قال أبا هريرة الطيبي : معنى الحديث أن من لم يسأل الله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه والله يحب أن يسأل انتهى ويؤيده حديثابن مسعود رفعه أخرجه سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل الترمذي وله من حديث ابن عمر رفعه وفي سنده لين وقد صححه مع ذلك إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء . وأخرج الحاكم في الدعاء بسند رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة بقية عن الطبراني عائشة مرفوعا وقال الشيخ إن الله يحب الملحين في الدعاء تقي الدين السبكي : الأولى حمل الدعاء في الآية على ظاهره وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط أن فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء وعلى هذا فالوعيد إنما هو في حق من ترك الدعاء استكبارا ومن فعل ذلك كفر وأما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور وإن كنا نرى أن ملازمة الدعاء والاستكثار منه أرجح من الترك لكثرة الأدلة الواردة في الحث عليه . الدعاء أخص من العبادة
قلت وقد دلت الآية الآتية قريبا في السورة المذكورة أن الإجابة مشترطة بالإخلاص وهو قوله - تعالى - : فادعوه مخلصين له الدين وقال الطيبي : معنى حديث النعمان أن تحمل العبادة على المعنى اللغوي إذ الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له وما شرعت العبادات إلا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه ولهذا ختم الآية بقوله - تعالى - : إن الذين يستكبرون عن عبادتي حيث عبر عن عدم التذلل والخضوع بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان .
وحكى القشيري في " الرسالة " الخلاف في المسألة فقال اختلف أي الأمرين أولى : الدعاء أو السكوت والرضا ؟ فقيل : الدعاء وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الأدلة لما فيه من إظهار الخضوع والافتقار وقيل السكوت والرضا أولى لما في التسليم من الفضل .
قلت وشبهتهم أن الداعي لا يعرف ما قدر له فدعاؤه إن كان على وفق المقدور فهو تحصيل الحاصل وإن كان على خلافه فهو معاندة والجواب عن الأول أن الدعاء من جملة العبادة لما فيه من الخضوع والافتقار وعن الثاني أنه إذا اعتقد أنه لا يقع إلا ما قدر الله تعالى كان إذعانا لا معاندة تحصيل الثواب بامتثال الأمر ولاحتمال أن يكون المدعو به موقوفا على الدعاء لأن الله خالق الأسباب ومسبباتها قال وقالت طائفة ينبغي أن يكون داعيا بلسانه راضيا بقلبه ، قال والأولى أن يقال إذا وجد في قلبه إشارة الدعاء فالدعاء أفضل وبالعكس . وفائدة الدعاء
قلت القول الأول أعلى المقامات أن يدعو بلسانه ويرضى بقلبه والثاني لا يتأتى من كل أحد بل ينبغي أن يختص به الكمل قال القشيري : ويصح أن يقال ما كان لله أو للمسلمين فيه نصيب فالدعاء أفضل وما كان للنفس فيه حظ فالسكوت أفضل وعبر ابن بطال عن هذا القول لما حكاه بقوله يستحب أن يدعو لغيره ويترك لنفسه وعمدة من أول الدعاء في الآية بالعبادة أو غيرها قوله - تعالى - : فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وإن كثيرا من الناس يدعو فلا يستجاب له فلو كانت على ظاهرها لم يتخلف والجواب عن ذلك أن لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه كل داع يستجاب له الترمذي من حديث والحاكم عبادة بن الصامت رفعه ولأحمد من حديث ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها : " أبي هريرة " وله في حديث إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له أبي سعيد رفعه وصححه ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . وهذا شرط ثان للإجابة ولها شروط أخرى منها أن يكون طيب المطعم والملبس لحديث فأنى يستجاب لذلك " وسيأتي بعد عشرين بابا من [ ص: 99 ] حديث الحاكم ومنها ألا يكون يستعجل لحديث أبي هريرة أخرجه يستجاب لأحدكم ما لم يقل دعوت فلم يستجب لي مالك .
9423 قوله ( باب ) كذا لكل نبي دعوة مستجابة لأبي ذر وسقط لفظ " باب " لغيره فصار من جملة الترجمة الأولى ومناسبتها للآية الإشارة إلى أن بعض الدعاء لا يستجاب عينا
قوله : هو ابن أبي أويس . إسماعيل
قوله ( مستجابة ) كذا لأبي ذر ولم أرها عند الباقين ولا في شيء من نسخ الموطأ
قوله يدعو بها ) زاد في رواية الأعمش عن أبي صالح عن " أبي هريرة " وفي حديث فيعجل كل نبي دعوته أنس ثاني حديثي الباب " فاستجيب له "
قوله وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة وفي رواية أبي سلمة عن الآتية في التوحيد " أبي هريرة " وزيادة " إن شاء الله " في هذا للتبرك فأريد إن شاء الله أن أختبئ ولمسلم " من رواية أبي صالح عن " وإني اختبأت " وفي حديث أبي هريرة أنس " فجعلت دعوتي " وزاد " يوم القيامة " وزاد أبو صالح فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا " وقوله : من مات " في محل نصب على المفعولية و " لا يشرك بالله " في محل نصب على الحال والتقدير شفاعتي نائلة من مات غير مشرك وكأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يؤخرها ثم عزم ففعل ورجا وقوع ذلك فأعلمه الله به فجزم به وسيأتي تتمة الكلام على الشفاعة وأنواعها في أول كتاب الرقاق - إن شاء الله تعالى .
وقد استشكل ظاهر الحديث بما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة ولا سيما نبينا - صلى الله عليه وسلم - وظاهره أن فقط والجواب أن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة وقيل معنى قوله " لكل نبي دعوة " أي أفضل دعواته ولهم دعوات أخرى وقيل لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب وقيل لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه كقول لكل نبي دعوة مستجابة نوح لا تذر على الأرض وقول زكريا فهب لي من لدنك وليا يرثني وقول سليمان وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي حكاه ابن التين .
وقال بعض شراح " المصابيح " ما لفظه اعلم أن جميع دعوات الأنبياء مستجابة والمراد بهذا الحديث أن كل نبي دعا على أمته بالإهلاك إلا أنا فلم أدع فأعطيت الشفاعة [ ص: 100 ] عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم والمراد بالأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة وتعقبه الطيبي [1] بأنه - صلى الله عليه وسلم - دعا على أحياء من العرب ودعا على أناس من قريش بأسمائهم ودعا على رعل وذكوان ودعا على مضر ، قال والأولى أن يقال إن الله جعل لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته فنالها كل منهم في الدنيا وأما نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم فبقي تلك الدعوة المستجابة مدخرة للآخرة وغالب من دعا عليهم لم يرد إهلاكهم وإنما أراد ردعهم ليتوبوا .
وأما جزمه أولا بأن جميع أدعيتهم مستجابة ففيه غفلة عن الحديث الصحيح الحديث " قال سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ابن بطال : في هذا الحديث حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة ولم يجعلها أيضا دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم وقال بيان فضل نبينا - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأنبياء : هذا من حسن تصرفه - صلى الله عليه وسلم - لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي ومن كثرة كرمه لأنه آثر أمته على نفسه ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين وقال ابن الجوزي النووي : فيه واعتناؤه بالنظر في مصالحهم فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم وأما قوله " فهي نائلة " ففيه دليل لأهل السنة أن كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ورأفته بهم ولو مات مصرا على الكبائر من مات غير مشرك لا يخلد في النار