الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1120 - مسألة : ومن نذر في حالة كفره طاعة لله عز وجل ثم أسلم لزمه الوفاء به لقول الله تعالى : { فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا } فحض الله تعالى على فعل الخير ، وأوجبه لفاعله ، ثم على الإيمان ، وعلى فعل الخير فيه أيضا ، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { : من نذر أن يطيع الله فليطعه } .

                                                                                                                                                                                          وهو عليه السلام مبعوث إلى الجن والإنس ، وطاعته فرض على كل مؤمن وكافر ، من قال غير هذا فليس مسلما - : وهذه جملة لم يختلف فيها أحد ممن يدعي الإسلام - ثم نقضوا في التفصيل - : روينا من طريق مسلم نا حسن الحلواني نا يعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - نا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أنا عروة بن الزبير { أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة ، أو عتاقة ، أو صلة رحم ، أفيها أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أسلمت على ما أسلفت من خير } .

                                                                                                                                                                                          نا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري نا سعيد بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر { عن عمر قال : نذرت نذرا في الجاهلية فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما أسلمت فأمرني أن أوفي بنذري } .

                                                                                                                                                                                          نا حمام نا أبو محمد الباجي نا عبد الله بن يونس المرادي نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا حفص هو ابن غياث - عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن { عمر [ ص: 275 ] قال : نذرت نذرا في الجاهلية ثم أسلمت فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمرني أن أوفي بنذري } .

                                                                                                                                                                                          فهذا حكم لا يسع أحدا الخروج عنه .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : لا يلزمه - واحتج له مقلدوه بقول الله تعالى { : لئن أشركت ليحبطن عملك } وقوله تعالى { : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : لا حجة لهم في هذا ; لأن هذا كله إنما نزل فيمن مات كافرا بنص كل آية منهما قال تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } .

                                                                                                                                                                                          ثم هم أول من ينقض هذه الحجة فيجيزون : بيعهم ، وابتياعهم ، ونكاحهم ، وهباتهم ، وصدقاتهم ، وعتقهم - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري أنه سمع أبا هريرة يقول : { بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له : ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد وذكر الحديث . وفيه أن ثمامة أسلم بعد أن أطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : يا محمد ، والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلي من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني ، وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره أن يعتمر } .

                                                                                                                                                                                          فهذا كافر خرج يريد العمرة فأسلم فأمره عليه السلام بإتمام نيته .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن طاوس من نذر في كفره ، ثم أسلم فليوف بنذره - وعن الحسن ، وقتادة نحوه - وبهذا يقول الشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهما .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية