الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قال ابن عباس : فاستبكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطانا فقال لهما : إن لكما اليوم لشأنا فأخبرتاه بما صنعموسى فأمر إحداهما أن تدعوه فجاءته تمشي على استحياء ، وفيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه استتارها بكم درعها ، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه بعدها من النداء ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        وفي سبب استحيائها ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنها دعته لتكافئه وكان الأجمل مكافأته من غير عناء .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لأنها كانت رسولة أبيها .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : ما قاله عمر لأنها ليست بسلفع من النساء خراجة ولاجة .

                                                                                                                                                                                                                                        قالت إن أبي يدعوك وفي أبيها قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه شعيب النبي عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه يثرون ابن أخي شعيب ، قاله أبو عبيدة والكلبي . وكان اسم التي دعت موسى وتزوجها : صفوريا . واسم الأخرى فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 248 ] إحداهما : ليا ، قاله ابن إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : شرفا ، قاله ابن جرير .

                                                                                                                                                                                                                                        ليجزيك أجر ما سقيت لنا أي ليكافئك على ما سقيت لنا، فمشت أمامه فوصف الريح عجيزتها فقال لها : امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت .

                                                                                                                                                                                                                                        فلما جاءه وقص عليه القصص أي أخبره بخبره مع آل فرعون .

                                                                                                                                                                                                                                        قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قال ابن عباس : يعني أنه ليس لفرعون وقومه علي سلطان ولسنا في مملكته .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : قالت إحداهما يا أبت استأجره والقائلة هي التي دعته وهي الصغرى يعني استأجره لرعي الغنم .

                                                                                                                                                                                                                                        إن خير من استأجرت القوي الأمين فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : القوي فيما ولي ، الأمين فيما استودع ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : القوي في بدنه ، الأمين في عفافه . وروي أن أباها لما قالت له ذلك دخلته الغيرة فقال لها : وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت : أما قوته فأنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان ولا يكشفها دون عشرة ، وأما أمانته فإنه خلفني خلف ظهره حين مشى .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين فروى عبد الرحمن بن زيد أن موسى قال : فأيهما تريد أن تنكحني؟ قال : التي دعتك ، قال : لا إلا أن تكون تريد ما دخل في نفسك عليها فقال : هي عندي كذلك فزوجه وكانت الصغيرة واسمها صفوريا .

                                                                                                                                                                                                                                        على أن تأجرني ثماني حجج يعني عمل ثماني حجج فأسقط ذكر العمل واقتصر على المدة لأنه مفهوم منها ، والعمل رعي الغنم . واختلف في هذه الثماني حجج على قولين : أحدهما : أنها صداق المنكوحة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنها شرط الأب في إنكاحها إياه وليس بصداق .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 249 ] فإن أتممت عشرا فمن عندك قال ابن عباس كانت على نبي الله موسى ثماني حجج واجبة وكانت سنتان عدة منه فقضى الله عنه عدته فأتمها عشرا .

                                                                                                                                                                                                                                        وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : من الصالحين في حسن الصحبة . قاله ابن إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : فيما وعده به .

                                                                                                                                                                                                                                        حكى يحيى بن سلام أنه جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شبه أمها فأوحى الله إلى موسى أن ألق عصاك في الماء فولدت كلهن خلاف شبههن . وقال غير يحيى : بل جعل له كل بلقاء فولدن كلهن بلقا .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : فلا عدوان علي قال السدي : لا سبيل علي .

                                                                                                                                                                                                                                        والله على ما نقول وكيل فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : قول السدي : شهيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : حفيظ ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : رقيب ، قاله ابن شجرة . فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن موسى أجر نفسه بعفة فرجه وطعمة بطنه ، فقيل له : أي الأجلين قضى؟ فقال أبرهما وأوفاهما) .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 250 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية