الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلبه فإن دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذنه ، فغنموا ، فغنيمتهم فيء ، وعنه : هي لهم بعد الخمس ، وعنه : هي لهم لا خمس فيها ، ومن أخذ من دار الحرب طعاما أو علفا ، فله أكله وعلف دابته بغير إذن وليس له بيعه ؛ فإن باعه رد ثمنه في المغنم وإن فضل معه منه شيء ، فأدخله البلد ، رده في الغنيمة ، إلا أن يكون يسيرا فله أكله في إحدى الروايتين . ومن أخذ سلاحا فله أن يقاتل به حتى تنقضي الحرب ثم يرده ، وليس له ركوب الفرس في إحدى الروايتين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير ) لأنه أعرف بالحرب ، وأمره موكول إليه ، ولأنه إذا لم تجز المبارزة إلا بإذنه ، فالغزو أولى ( إلا أن يفجأهم ) أي : يطلع عليهم بغتة ( عدو يخافون كلبه ) بفتح الكاف واللام أي : شره وأذاه ؛ لأن الحاجة [ ص: 350 ] تدعو إليه لما في التأخير من الضرر ، وحينئذ لا يجوز التخلف إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ المكان والأهل والمال ، ومن لا قوة له على الخروج ومن يمنعه الإمام ( فإن دخل قوم لا منعة لهم ) هو بفتح الأحرف الثلاثة ، وقد تسكن النون ، والمراد بها القوة والدفع . ( دار الحرب بغير إذنه ) أي : إذن المعتبر إذنه ، وهو إمام الحق ، غير المتغلب ( فغنموا ، فغنيمتهم فيء ) على المذهب لأنهم عصاة بفعلهم ، وافتئاتهم على الإمام لطلب الغنيمة ، فناسب حرمانهم كقتل المورث ( وعنه : هي لهم بعد الخمس ) وهي قول أكثر العلماء ، واختارها القاضي وأصحابه ، وفي " المغني " و " الشرح " هي الأولى ، لعموم قوله تعالى : كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله [ البقرة : 249 ] ( وعنه : هي لهم لا خمس فيها ) لأنه اكتساب مباح من غير جهاد ، أشبه الاحتطاب ، أو يقال : أخذوه لا بقوة أشبه ما لو سرقوه .

                                                                                                                          فرع : حكم الواحد ولو عبدا إذا دخل الحرب وغنم ، الخلاف ، وكذا ما سرق منها أو اختلس . ذكره في " البلغة " ومعناه في " الروضة " .

                                                                                                                          ( ومن أخذ من دار الحرب طعاما أو علفا ) لا غيرها من ثياب وحنوط ( فله أكله وعلف دابته ) أو دوابه ( بغير إذن ) في قول جماعة العلماء لما روى ابن عمر قال : كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب ، فنأكله ولا نرفعه . رواه البخاري ، وعنه : أن جيشا غنموا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما وعسلا فلم يؤخذ منهم الخمس . رواه أبو داود ، ولأن الحاجة تدعو إليه ، إذ الحمل فيه مشقة ، فأبيح توسعة على الناس ، وله إطعام سبي اشتراه ، بخلاف فهد وكلب [ ص: 351 ] صيد ؛ لأن هذا يراد للتفرج ، ولا حاجة إليه في الغزو . ومحل ذلك كما ذكره الشيخان ما لم يجزه الإمام ويوكل به من يحفظه ، فلا يجوز إلا لضرورة ، نص عليه ؛ لأنها صارت غنيمة للمسلمين ، وتم ملكهم عليها ، واختاره القاضي في " المجرد " ما داموا في أرض الحرب ؛ لأن الغنيمة لا يتم الملك عليها إلا بإحرازها في دار الإسلام .

                                                                                                                          تنبيهات : الأول : حكم السكر والمعاجين ونحوها كالطعام ، وفي العقاقير وجهان .

                                                                                                                          الثاني : يدخل في كلامه الدهن ؛ لأنه طعام كالبر ، وله لحاجة دهن بدنه ، ودابته ، وشرب شراب ، ونقل أبو داود : دهنه بزيت للتزين لا يعجبني .

                                                                                                                          الثالث : ليس له غسل ثوبه بالصابون ؛ لأنه ليس بطعام ، فإن فعل رد قيمته في المغنم .

                                                                                                                          ( وليس له بيعه ) لأنه لم ينقل لعدم الحاجة إليه ، بخلاف المأكل ( فإن باعه رد ثمنه في المغنم ) قاله أكثر الأصحاب ، لما روى سعيد : أن صاحب جيش الشام كتب إليه عمر : من باع منهم شيئا بذهب أو فضة ففيه خمس الله ، وسهام المسلمين . وظاهره أن البيع صحيح ؛ لأن المنع منه إنما كان لأجل حق الغانمين ، وفي رد الثمن تحصيل لذلك ، ولأن له فيه حقا فصح بيعه كما لو تحجر مواتا . وفرق القاضي والمؤلف في " الكافي " إن باعه لغير غاز ، فهو باطل كبيعه الغنيمة بغير إذن ، فيرد المبيع إن كان باقيا أو قيمته أو ثمنه إن كان تالفا ؛ وإن باعه لغاز ؛ فلا يخلو إما أن يبيعه بما يباح له الانتفاع به ، أو بغيره ، فإن كان الأول ، [ ص: 352 ] فليس بيعا في الحقيقة إنما دفع إليه مباحا ، وأخذ بمثله ، ويبقى أحق به لثبوت يده عليه ، ولا يمن عليه ، ويتعين رده إليه . وظاهر المتن أنه لا يلزمه سوى رد الثمن فقط ، وعنه : يلزمه أيضا قيمة أكله . ( وإن فضل معه منه شيء فأدخله البلد ) ولم يقيده به الأكثر . ( رده في الغنيمة ) أي : إذا كان كثيرا ؛ لأنه إنما أبيح له ما يحتاج إليه فما بقي تبينا أنه أخذ أكثر مما يحتاجه ، فيبقى على أصل التحريم . ( إلا أن يكون يسيرا ، فله أكله في إحدى الروايتين ) . نص عليه في رواية أبي طالب في الطبخة ، والطبختين من اللحم ، والعليفة والعليفتين ، من الشعير لا بأس به ؛ لأن اليسير مما تجري فيه المسامحة . قال الأوزاعي : أدركت الناس يقدمون بالقديد فيهديه بعضهم لبعض ، ولا ينكره أحد .

                                                                                                                          والثانية : يجب رده . نص عليها في رواية ابن إبراهيم ، واختارها الخلال ، وصاحبه ، والقاضي ، وأبو الخطاب في " خلافهما " وقدمها في " المحرر " و " الفروع " لقوله - عليه السلام - أدوا الخيط والمخيط . ولأنه من الغنيمة ، ولم يقسم فلم يبح في دار الإسلام كالكبير .

                                                                                                                          ( ومن أخذ سلاحا لهم ، فله أن يقاتل به حتى تنقضي الحرب ) لقول ابن مسعود : انتهيت إلى أبي جهل فوقع سيفه من يده فأخذته فضربته به حتى برد . رواه الأثرم ، ولأن الحاجة إليه أعظم من الطعام ، وضرر استعماله أقل من ضرر أكل الطعام لعدم زوال عينه بالاستعمال ( ثم يرده ) بعد الحرب لزوال الحاجة . ( وليس له ركوب الفرس ) في الجهاد . ( في إحدى الروايتين ) جزم بها في " الوجيز " ورجحها ابن المنجا لما روى رويفع بن ثابت الأنصاري مرفوعا [ ص: 353 ] قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده . رواه سعيد . ولأنها تتعرض للعطب غالبا ، وقيمته كبيرة بخلاف السلاح .

                                                                                                                          والثانية : يجوز . قدمها في " المحرر " كالسلاح ، ونقل المروذي لا بأس أن يركب الدابة من الفيء ، ولا يعجفها ، وفي " الفروع " وفي قتاله بفرس وثوب روايتان ، ونقل إبراهيم بن الحارث : لا يركبه إلا لضرورة أو خوف على نفسه




                                                                                                                          الخدمات العلمية