الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [149] ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين

                                                                                                                                                                                                                                      " ولما سقط في أيديهم أي: ندموا على عبادة العجل " ورأوا أي علموا وأيقنوا " أنهم قد ضلوا أي: عن الحق والهدى. " قالوا لئن لم يرحمنا ربنا أي بقبول توبتنا " ويغفر لنا أي: ما قدمنا من عبادة العجل " لنكونن من الخاسرين أي: بالعقوبة، أي: ممن خسروا أعمالهم وأعمارهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2859 ] لطيفة:

                                                                                                                                                                                                                                      يقال للنادم على ما فعل، الحسر على ما فرط منه (قد سقط في يده) و (أسقط) مضمومتين -قاله الزجاج -.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الفراء : يقال سقط في يده وأسقط، من الندامة، و (سقط) أكثر وأجود.

                                                                                                                                                                                                                                      وأنكر أبو عمرو (أسقط) بالألف، وجوزه الأخفش .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري : من شأن من اشتد ندمه وحسرته، أن يعض يده غما، فتصير يده مسقوطا فيها، لأن فاه قد وقع فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج : معناه: سقط الندم في أيديهم، أي: في قلوبهم وأنفسهم، كما يقال: حصل في يده مكروه، وإن كان محالا أن يكون في اليد، تشبيها لما يحصل في القلب وفي النفس، بما يحصل في اليد، ويرى بالعين. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الفارسي : أي: ضربوا أكفهم على أكفهم من الندم، فإن صح ذلك فهو إذن من السقوط.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي (العباب): هذا نظم لم يسمع به قبل القرآن، ولا عرفته العرب ، والأصل فيه نزول الشيء من أعلى إلى أسفل، ووقوعه على الأرض، ثم اتسع فيه فقيل للخطأ من الكلام سقط، لأنهم شبهوه بما لا يحتاج إليه، فيسقط، وذكر اليد لأن الندم يحدث في القلب، وأثره يظهر في اليد، كقوله تعالى: فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق ولأن اليد هي الجارحة العظمى، فربما يسند إليها ما لم تباشره، كقوله تعالى: ذلك بما قدمت يداك انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وعليه، فيكون (سقط) من السقاط، وهو كثرة الخطأ كما قال:


                                                                                                                                                                                                                                      كيف يرجون سقاطي بعد ما لفع الرأس بياض وصلع



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: من عادة النادم أن يطأطئ رأسه، ويضعه على يده، معتمدا عليه وتارة [ ص: 2860 ] يضعها تحت ذقنه، وشطر من وجهه على هيئة لو نزعت يده لسقط على وجهه، فكانت اليد مسقوطا فيها، لتمكن السقوط فيها. ويكون قوله: " سقط في أيديهم بمعنى سقط على أيديهم، كقوله: ولأصلبنكم في جذوع النخل أي عليها، و (سقط) عده بعضهم من الأفعال التي لا تتصرف، ك(نعم وبئس). وقرئ (سقط) معلوما أي الندم أو العض، أو الخسران، وكله تمثيل. وقرئ (أسقط) رباعي مجهول، وهي لغة نقلها الفراء والزجاج ، كما قدمنا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية