الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم

                                                                                                                                                                                                                                      وما جعله الله كلام مستأنف سيق لبيان أن الأسباب الظاهرة بمعزل من التأثير، وإنما التأثير مختص به - عز وجل - ليثق به المؤمنون، ولا يقنطوا من النصر عند فقدان أسبابه، والجعل متعد إلى مفعول واحد هو الضمير العائد إلى مصدر فعل مقدر يقتضيه المقام اقتضاء ظاهرا مغنيا عن التصريح به، كأنه قيل: فأمدكم بهم، وما جعل إمدادكم بهم إلا بشرى وهو استثناء مفرغ من أعم العلل، أي: وما جعل إمدادكم بإنزال الملائكة عيانا لشيء من الأشياء إلا للبشرى لكم بأنكم تنصرون ولتطمئن به أي: بالإمداد قلوبكم وتسكن إليه نفوسكم كما كانت السكينة لبني إسرائيل كذلك، فكلاهما مفعول له للجعل، وقد نصب الأول لاجتماع شرائطه، وبقي الثاني على حاله لفقدانها، وقيل: للإشارة إلى أصالته في العلية، وأهميته في نفسه، كما قيل في قوله تعالى: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة وفي قصر الإمداد عليهما إشعار بعدم مباشرة الملائكة للقتال، وإنما كان إمدادهم بتقوية قلوب المباشرين وتكثير سوادهم ونحوه، كما هو رأي بعض السلف، وقيل الجعل متعد إلى اثنين، ثانيهما: إلا بشرى على أنه استثناء من أعم المفاعيل، أي: وما جعله الله شيئا من الأشياء إلا بشارة لكم، فاللام في (ولتطمئن) متعلقة بمحذوف مؤخر، تقديره ولتطمئن به قلوبكم فعل ذلك لا لشيء آخر وما النصر أي: حقيقة النصر على الإطلاق إلا من عند الله أي: إلا كائن من عنده - عز وجل - من غير أن يكون فيه شركة [ ص: 9 ] من جهة الأسباب والعدد، وإنما هي مظاهر له بطريق جريان السنة الإلهية إن الله عزيز لا يغالب في حكمه ولا ينازع في أقضيته حكيم يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة، والجملة تعليل لما قبلها متضمن للإشعار بأن النصر الواقع على الوجه المذكور من مقتضيات الحكم البالغة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية