الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : وأعطوا النساء مهورهن عطية واجبة ، وفريضة لازمة .

يقال منه : "نحل فلان فلانا كذا فهو ينحله نحلة ونحلا" ، كما : -

8506 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا [ ص: 553 ] سعيد ، عن قتادة قوله : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، يقول : فريضة .

8507 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : أخبرني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، يعني ب"النحلة" ، المهر .

8508 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، قال : فريضة مسماة .

8509 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، قال : "النحلة" في كلام العرب ، الواجب يقول : لا ينكحها إلا بشيء واجب لها ، صدقة يسميها لها واجبة ، وليس ينبغي لأحد أن ينكح امرأة ، بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا بصداق واجب ، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبا بغير حق .

وقال آخرون : بل عنى بقوله : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، أولياء النساء ، وذلك أنهم كانوا يأخذون صدقاتهن .

ذكر من قال ذلك :

8510 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن سيار ، عن أبي صالح قال : كان الرجل إذا زوج أيمه أخذ صداقها دونها ، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك ، ونزلت : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " .

وقال آخرون : بل كان ذلك من أولياء النساء ، بأن يعطي الرجل أخته لرجل ، على أن يعطيه الآخر أخته ، على أن لا كثير مهر بينهما ، فنهوا عن ذلك . [ ص: 554 ]

ذكر من قال ذلك :

8511 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم حضرمي أن أناسا كانوا يعطي هذا الرجل أخته ، ويأخذ أخت الرجل ، ولا يأخذون كثير مهر ، فقال الله تبارك وتعالى : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك ، التأويل الذي قلناه . وذلك أن الله تبارك وتعالى ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين النساء ، ونهاهم عن ظلمهن والجور عليهن ، وعرفهم سبيل النجاة من ظلمهن . ولا دلالة في الآية على أن الخطاب قد صرف عنهم إلى غيرهم . فإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الذين قيل لهم : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " ، هم الذين قيل لهم : " وآتوا النساء صدقاتهن " وأن معناه : وآتوا من نكحتم من النساء صدقاتهن نحلة ، لأنه قال في أول [ الآية ] : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، ولم يقل : "فأنكحوا" ، فيكون قوله : " وآتوا النساء صدقاتهن " ، مصروفا إلى أنه معني به أولياء النساء دون أزواجهن .

وهذا أمر من الله أزواج النساء المدخول بهن والمسمى لهن الصداق ، أن يؤتوهن صدقاتهن ، دون المطلقات قبل الدخول ممن لم يسم لها في عقد النكاح صداق .

التالي السابق


الخدمات العلمية