الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم ؛ قرئت بتشديد النون؛ وتخفيفها؛ وقرئت: "لما"؛ بتخفيف الميم؛ و"لما"؛ [ ص: 81 ] بتشديدها؛ فأما تشديد "إن"؛ والنصب؛ فعلى باب "إن"؛ وأما تخفيفها؛ وترك النصب على حاله فلأن "إن"؛ مشبهة بالفعل؛ فإذا حذف منها التشديد بقي العمل على حاله؛ وأما تخفيف "لما"؛ فهو الوجه والقياس؛ ولام "لما"؛ لام "إن"؛ و"ما"؛ زائدة؛ مؤكدة؛ لم تغير المعنى؛ ولا العمل؛ وأما التشديد في "لما"؛ فزعم بعض النحويين أن معناه "لمن ما"؛ ثم انقلبت النون ميما؛ فاجتمع ثلاث ميمات؛ فحذفت إحداها؛ وهي الوسطى؛ فبقيت "لما".

                                                                                                                                                                                                                                        وهذا القول ليس بشيء لأن "من"؛ لا يجوز حذفها؛ لأنها اسم على حرفين؛ ولكن التشديد فيه قولان؛ أحدهما يروى عن المازني ؛ زعم المازني أن أصلها "لما"؛ ثم شددت الميم؛ وهذا القول ليس بشيء أيضا؛ لأن الحروف نحو: "رب"؛ وما أشبهها تخفف؛ ولسنا نثقل ما كان على حرفين؛ فهذا منتقض.

                                                                                                                                                                                                                                        وقال بعضهم قولا لا يجوز غيره - والله أعلم -: إن "لما"؛ في معنى "إلا"؛ كما تقول: "سألتك لما فعلت كذا وكذا"؛ و"إلا فعلت كذا"؛ ومثله: إن كل نفس لما عليها حافظ ؛ معناه: "إلا"؛ وتأويل اللام مع "إن"؛ الخفيفة؛ إنما هو تأويل الجحد والتحقيق؛ إلا أن "إن"؛ إذا قلت: "إن زيدا لعالم"؛ هي "ما"؛ ولكن اللام دخلت عليها لئلا يشبه المنفي المثبت؛ فتكون المشددة بدخول اللام عليها بمعنى المخففة إذا دخلت عليها اللام.

                                                                                                                                                                                                                                        فعلى هذا جاءت "إن"؛ الناصبة؛ فجائز أن تكون "إن"؛ الناصبة من حيث دخلت عليها اللام كما دخلت على "إن"؛ غير الناصبة؛ دخلت عليها "لما"؛ ودخلت عليها "إلا"؛ فصار الكلام في تخليص التحقيق له بمنزلة ما نفي عنه غير المذكور بعد "لما"؛ ووجب له ما بعد "لما"؛ [ ص: 82 ] فتقول على هذا الحد: "إن كلهم لما يحبني"؛ معناه يؤول إلى معنى "ما كلهم إلا يحبني".

                                                                                                                                                                                                                                        وكذلك يجوز "إن كلا لما يحبني"؛ بحذاء "إن كلا لما يحبني"؛ فدخلت "لما"؛ محققة؛ كما دخلت اللام محققة؛ وصار تأويل الجملة تأويل المنفي؛ والمحقق؛ وحكى سيبويه ؛ وجميع البصريين؛ أن "لما"؛ تستعمل بمعنى "إلا"؛ ويجوز "إن كلا لما ليوفينهم"؛ معناه: "وإن كلا ليوفينهم جمعا"؛ لأن معنى اللم الجمع؛ يقال: "لممت الشيء؛ ألمه؛ لما"؛ إذا جمعته؛ فأما قولهم: "لم الله شعثك"؛ فتأويله: "جمع الله لك ما يذهب شعثك".

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية