الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائة

فمن الحوادث فيها مسير مروان بن محمد إلى الشام . وقد ذكرنا أنه خرج بعد مقتل الوليد بن يزيد مظهرا أنه ثائر بالوليد منكر لقتله ، ثم لما كاتبه يزيد عاد فبايع له ، وبعث بذلك جماعة من وجوه الجزيرة منهم محمد بن علاثة ، فأتاه موت يزيد ، فأرسل إلى ابن علاثة فردهم من منبج ، وشخص إلى إبراهيم بن الوليد ، فلما انتهى إلى قنسرين دعا الناس إلى مبايعته ، ثم توجه إلى حمص ، وكانوا قد امتنعوا حين مات يزيد أن يبايعوا إبراهيم ، فوجه إبراهيم لهم عبد العزيز في جند أهل دمشق ، فحاصرهم في مدينتهم ، وأغذ مروان السير ، فلما دنا من مدينة حمص رحل عبد العزيز عنهم ، وخرجوا إلى مروان فبايعوه وساروا معه .

ووجه إبراهيم بن الوليد مع سليمان بن هشام عشرين ومائة ألف ، فلقيهم مروان في نحو من ثمانين ألفا ، فاقتتلوا . وبعث مروان أقواما فقطعوا الشجر وعقدوا على نهر هناك جسورا ، فعبروا إلى عسكر سليمان من ورائهم ، فلم يشعروا إلا بالخيل فانهزموا ، وقتل منهم نحو من ثمانية عشر ألفا .

وفي هذه السنة: دعا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إلى نفسه بالكوفة ، وحارب بها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، فهزمه عبد الله [بن [ ص: 258 ] عمر] ، فلحق بالجبال فغلب عليها . وكان خروجه في محرم سنة سبع وعشرين .

وكان سبب خروجه أنه قدم إلى الكوفة زائرا لعبد الله بن عمر يلتمس صلته ولا يريد خروجا ، فتزوج ابنة حاتم بن الشرقي ، فلما وقعت العصبية ، وكان سببها أن عبد الله أعطى قوما ومنع قوما فاختصموا ، فقال أهل الكوفة لعبد الله: ادع إلى نفسك ، فبنو هاشم أولى بالأمر من بني مروان ، فدعا سرا بالكوفة وبايعه ابن ضمرة الخزاعي ، فدس إليه ابن عمر فأرضاه ، فأرسل إليه: إذا التقينا انهزمت بالناس ، فقيل لابن عمر: قد جاء ابن معاوية ، فأخرج مالا وخرج فأمر مناديا ينادي: من جاء برأس فله خمسمائة ، فأتى رجل برأس فأعطي خمسمائة ، فلما رأى أصحابه الوفاء ثاروا بالقوم فإذا خمسمائة رأس ، فانكشف أمر ابن معاوية ، وانهزم ابن ضمرة فلم يبق مع ابن معاوية أحد ، فخرج إلى المدائن فبايعوه ، وأتاه قوم من أهل الكوفة ، ثم خرج [إلى المدائن] فغلب على حلوان والجبال وهمدان وقومس وأصبهان والري .

وفي هذه السنة: وافى الحارث بن شريح مرو ، وجاء إليها من بلاد الترك بالأمان الذي كتب له يزيد بن الوليد ، فصار إلى نصر ثم حالفه وبايعه على ذلك جمع كبير ، وكان قدم مرو لثلاث بقين من جمادى الآخرة ، سنة سبع وعشرين ، فتلقاه نصر وأجرى عليه نزلا كل يوم خمسين درهما ، وأطلق نصر من كان عنده من أهله ، وبعث إليه بفرس وفرش ، فباع ذلك وقسمه في أصحابه ، وكان يجلس على برذعة ، وتثنى له وسادة غليظة ، وعرض عليه نصر أن يوليه ويعطيه مائة ألف فلم يقبل ، وقال:

لست من أهل اللذات ، إنما أسألك كتاب الله والعمل بالسنة فإن فعلت ساعدتك ، وإني خرجت من هذا البلد منذ ثلاث عشرة سنة إنكارا للجور ، وأنت تريدني عليه ، فانضم إلى الحارث ثلاثة آلاف .

[ ص: 259 ]

وفي هذه السنة: بويع لمروان بن محمد بن مروان بالخلافة بدمشق .

وذلك أنه لما قيل: قد دخلت خيل مروان دمشق هرب إبراهيم بن الوليد ونهب بيت المال ، وثار موالي الوليد بن يزيد ، فقتلوا عبد العزيز بن الحجاج ، ونبشوا قبر يزيد بن الوليد وصلبوه على باب الجابية ، ودخل مروان دمشق ، فبايعوه واستوت له الشام وانصرف ، فنزل حران ، وطلب الأمان منه إبراهيم بن الوليد وسليمان بن هشام فأمنهما ، وخلع إبراهيم في ربيع الآخر من هذه السنة ، وكان مكثه أربعة أشهر ، وقيل: أربعين ليلة .

[ ص: 260 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية