الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا لما حكى ما في الكتابين من نعوته صلى الله تعالى عليه وسلم وشرف من يتبعه على ما عرفت، أمر عليه الصلاة والسلام بأن يصدع بما فيه تبكيت لليهود الذين حرموا اتباعه. وتنبيه لسائر الناس على افتراء من زعم منهم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مرسل إلى العرب خاصة، وقيل: إنه أمر له عليه الصلاة والسلام ببيان أن سعادة الدارين المشار إليهما فيما تقدم غير مختصة بمن اتبعه من أهل الكتابين بل شاملة لكل من يتبعه كائنا من كان؛ وذلك ببيان عموم رسالته صلى الله تعالى عليه وسلم وهي عامة للثقلين كما نطقت به النصوص حتى صرحوا بكفر منكره وما هنا لا يأبى ذلك، والمفهوم [ ص: 83 ] فيه غير معتبر عند القائل به لفقد شرطه وهو ظاهر. الذي له ملك السماوات والأرض في موضع نصب بإضمار أعني أو نحوه أو رفع على إضمار هو.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن يكون في موضع جر على أنه صفة للاسم الجليل أو بدل منه، واستبعد ذلك أبو البقاء لما فيه من الفصل بينهما، وأجيب بأنه مما ليس بأجنبي وفي حكم ما لا يكون فيه فصل، ورجح الأول بالفخامة؛ إذ يكون عليه جملة مستقلة مؤذنة بأن المذكور علم في ذلك، أي اذكر من لا يخفى شأنه عند الموافق والمخالف، وقيل: هو مبتدأ خبره لا إله إلا هو ، وهو على الوجوه الأول بيان لما قبله، وجعله الزمخشري مع ذلك بدلا من الصلة، وقد نص على جواز هذا النحو سيبويه، وذكر العلامة أن سوق كلامه يشعر بأنه بدل استعمال، ووجه البيان أن من ملك العالم علويه وسفليه هو الإله، فبينهما تلازم يصحح جعل الثاني مبينا للأول وليس المراد بالبيان الإثبات بالدليل حتى يقال: الظاهر العكس؛ لأن الدليل على تفرده سبحانه بالألوهية ملكه للعالم بأسره مع أنه يصح أن يجعل دليلا عليه أيضا فيقال: الدليل على أنه جل شأنه المالك المتصرف في ذلك انحصار الألوهية فيه؛ إذ لو كان إله غيره لكان له ذلك، واعترض أبو حيان القول بالبدلية بأن إبدال الجمل من الجمل غير المشتركة في عامل لا يعرف، وتعقب بأن أهل المعاني ذكروه، وتعريف التابع بكل ثان أعرب بإعراب سابقه ليس بكلي، وقوله سبحانه: يحيي ويميت لزيادة تقرير إلهيته سبحانه، وقيل: لزيادة اختصاصه تعالى بذلك وله وجه وجيه، والفاء في قوله عز شأنه: فآمنوا بالله ورسوله لتفريع الأمر على ما تقرر من رسالته صلى الله تعالى عليه وسلم، وإيراد نفسه الكريمة عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة على طريق الالتفات إلى الغيبة للمبالغة في إيجاب الامتثال، ووصف الرسول بقوله تعالى: النبي الأمي لمدحه ولزيادة تقرير أمره وتحقيق أنه المكتوب في الكتابين. الذي يؤمن بالله وكلماته ما أنزل عليه وعلى سائر الرسل عليهم السلام من كتبه ووحيه، وقرئ: (وكلمته) على إرادة الجنس أو القرآن أو عيسى عليه السلام، كما روي ذلك عن مجاهد، تعريضا لليهود تنبيها على أن من لم يؤمن به عليه السلام لم يعتبر إيمانه، والإتيان بهذا الوصف بحمل أهل الكتابين على الامتثال بما أمروا به والتصريح بالإيمان بالله تعالى للتنبيه على أن الإيمان به سبحانه لا ينفك عن الإيمان بكلماته ولا يتحقق إلا به، ولا يخفى ما في هذه الآية من إظهار النصفة والتفادي عن العصبية للنفس، وجعلوا ذلك نكتة للالتفات وإجراء هاتيك الصفات. واتبعوه أي في كل ما يأتي وما يذر من أمور الدين.

                                                                                                                                                                                                                                      لعلكم تهتدون علة للفعلين أو حال من فاعليهما. أي: رجاء لاهتدائكم إلى المطلوب أو راجين له. وفي تعليقه بهما إيذان بأن من صدقه ولم يتبعه بالتزام شرعه فهو بعد في مهامه الضلال.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية