الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      المبحث الخامس [ ما ثبت به حجية الإجماع ] . الخامس : في أنه ثبتت حجته ، وقد اختلف فيه فقيل : دل عليه العقل ، والجمهور على أنه السمع ، وصححه القاضي ، وابن السمعاني وغيرهما . وقال صاحب " المصادر " : إنه قول الأكثرين ، ومنعوا ثبوته من جهة العقل ; لأن العدد الكثير وإن بعد في العقل اجتماعهم على الكذب ، فلا يبعد اجتماعهم على الخطأ ، كاجتماع الكفار على جحد النبوة وغير ذلك ولا يصح الاستدلال عليه بالإجماع ، فإن الشيء لا يثبت بنفسه ، ولا الاستدلال عليه بالقياس ، فإنه مظنون ، ولا يحتج بالمظنون على القطعي ، وكلام الشافعي في الرسالة " البغدادية يقتضي ثبوته بالإجماع . فإنه [ ص: 387 ] قال عقب ما ذكره من أدلة السنة : ولا نعلم أحدا من أهل بلدنا يرضاه ، وحمل عنه إلا صار إلى قولهم مما لا سنة فيه . ا هـ ، ويمكن تأويله . وقال القاضي أبو بكر : لا يجوز إثبات الإجماع بخبر الواحد قياسا على السنة ; لأنا لم نتعبد بالقياس في أصول الشريعة ، فلم يبق إلا دليل النقل من الكتاب والسنة ، وقد أكثر منه الأئمة . وزاد الغزالي ثالثا ، وهو طريق المعنى ، فإن الصحابة إذا قضوا بقضية وقطعوا بها ، فلا يكون إلا عن مستند قاطع ، فإن العادة تحيل تثبيتهم قاعدة الدين بغير قطعي ، وإلا لزم القدح فيهم ، وهو منتف ، وحكى سليم ، وابن السمعاني وجها ثالثا ، أن العقل والسمع دلا عليه .

                                                      وفرع عليه الجويني في المحيط ، وابن السمعاني إجماع الأمم السابقة ، هل هو كإجماع هذه الأمة ؟ والصحيح المنع ، فإن إجماع هذه الأمة معصوم من الخطأ . ونقل بعضهم عن الجمهور أن دليل الإجماع سمعي ، والعقلي مؤكد له ، وهو إحالة العادة خطأ الجم الغفير في حكم لا يثبته أحد ; لموقع الخطأ فيه ، وأن النصوص شهدت بعصمتهم ، فلا يقولون إلا حقا ، سواء استندوا في قولهم إلى قاطع أو مظنون ، وطريقة إمام الحرمين تقتضي أنه ليس دليلا لنفسه ، ولكنه دليل الدليل ، لكن دلالته على الدليل دلالة قطعية عادية عندهم ، وهو قريب مما سبق عن الغزالي . [ ص: 388 ]

                                                      تنبيه [ وجه وضع الإجماع في أصول الفقه ] قيل : إن هذه المسألة ليست من صناعة الأصولي ، كما لا يلزم تثبيت الكتاب والسنة ، فلذلك ينبغي أن لا يلزمه تثبيت الإجماع . وأجيب بأن الإجماع لما كان أمرا راجعا إلى السنة موجودا فيها بالاسترواح لا بالنص ، وبالقوة لا بالفعل ، احتاج إلى تثبته وإخراجه من تلك القوة إلى الفعل حتى يصير أصلا ثالثا من الأصول الأول ، ينزل منزلة الكتاب والسنة في التبيان والظهور .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية