الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال تعالى : " هو الذي جعل الشمس ضياء " قرأ الأكثرون : " ضياء " بهمزة [ ص: 9 ] واحدة . وقرأ ابن كثير : " ضئاء " بهمزتين في كل القرآن ، أي : ذات ضياء . " والقمر نورا " أي : ذات نور . " وقدره منازل " أي : قدر له ، فحذف الجار والمعنى : هيأ ويسر له منازل . قال الزجاج : الهاء ترجع إلى " القمر " لأنه المقدر لعلم السنين والحساب . وقد يجوز أن يعود إلى الشمس والقمر ، فحذف أحدهما اختصارا . وقال الفراء : إن شئت جعلت تقدير المنازل للقمر خاصة ، لأن به تعلم الشهور ، وإن شئت جعلت التقدير لهما ، فاكتفي بذكر أحدهما من صاحبه ، كقوله : والله ورسوله أحق أن يرضوه [التوبة :62] . قال ابن قتيبة : منازل القمر ثمانية وعشرون منزلا من أول الشهر إلى ثماني وعشرين ليلة ، ثم يستسر . وهذه المنازل ، هي النجوم التي كانت العرب تنسب إليها الأنواء ، وأسماؤها عندهم كـ الشرطان ، والبطين ، والثريا ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة ، والطرف ، والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعواء ، والسماك ، والغفر ، والزبانى ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، وفرغ الدلو المقدم ، وفرغ الدلو المؤخر ، والرشاء وهو الحوت .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ما خلق الله ذلك إلا بالحق " أي : للحق، من إظهار صنعه وقدرته والدليل على وحدانيته . " يفصل الآيات " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : " يفصل " بالياء . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " نفصل الآيات " بالنون ، والمعنى : نبينها . " لقوم يعلمون " يستدلون بالأمارات على قدرته .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " لآيات لقوم يتقون " فيه قولان : أحدهما : يتقون الشرك . [ ص: 10 ] والثاني : عقوبة الله . فيكون المعنى : إن الآيات لمن لم يحمله هواه على خلاف ما وضح له من الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " لا يرجون لقاءنا " قال ابن عباس : لا يخافون البعث . " ورضوا بالحياة الدنيا " اختاروا ما فيها على الآخرة . " واطمأنوا بها " آثروها . و قال غيره : ركنوا إليها ، لأنهم لا يؤمنون بالآخرة . " والذين هم عن آياتنا غافلون " فيها قولان : أحدهما : أنها آيات القرآن ومحمد ، قاله ابن عباس . والثاني : ما ذكره في أول السورة من صنعه ، قاله مقاتل . فأما قوله : " غافلون " فقال ابن عباس : مكذبون . وقال غيره : معرضون ، قال ابن زيد : وهؤلاء هم الكفار .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      بما كانوا يكسبون

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقاتل : من الكفر والتكذيب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " يهديهم ربهم بإيمانهم " فيه أربعة أقوال : أحدها : يهديهم إلى الجنة ثوابا بإيمانهم . والثاني : يجعل لهم نورا يمشون به بإيمانهم . والثالث : يزيدهم هدى بإيمانهم . والرابع : يثيبهم بإيمانهم . فأما الهداية ، فقد سبقت لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " تجري من تحتهم الأنهار " أي : تجري بين أيديهم وهم يرونها من علو .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " دعواهم فيها " أي : دعاؤهم . وقد شرحنا ذلك في أول (الأعراف 5) .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المراد بهذا الدعاء قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنه استدعاؤهم ما يشتهون . قال ابن عباس : كلما اشتهى أهل الجنة شيئا ، قالوا : " سبحانك اللهم " فيأتيهم ما يشتهون ; فإذا طعموا ، قالوا : " الحمد لله رب العالمين " فذلك آخر دعواهم . وقال ابن جريج : إذا مر بهم الطير يشتهونه ، قالوا : " سبحانك اللهم " فيأتيهم الملك بما اشتهوا ، فيسلم عليهم ، [ ص: 11 ] فيردون عليه : فذلك قوله : " وتحيتهم فيها سلام " . فإذا أكلوا ، حمدوا ربهم ، فذلك قوله : " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين " .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنهم إذا أرادوا الرغبة إلى الله تعالى في دعاء يدعونه به ، قالوا : " سبحانك اللهم " ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وتحيتهم فيها سلام " فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنها تحية بعضهم لبعض ، وتحية الملائكة لهم ، قاله ابن عباس . والثاني : أن الله تعالى يحييهم بالسلام . والثالث : أن التحية : الملك ، فالمعنى : ملكهم فيها سالم ذكرهما الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وآخر دعواهم " أي : دعاؤهم وقولهم : " أن الحمد لله رب العالمين " قرأ أبو مجلز ، وعكرمة ، ومجاهد ، و ابن يعمر ، وقتادة ، ويعقوب : " أن الحمد لله " بتشديد النون ونصب الدال . قال الزجاج : أعلم الله أنهم يبتدؤون بتعظيم الله وتنزيهه ، ويختمون بشكره والثناء عليه . وقال ابن كيسان : يفتتحون كلامهم بالتوحيد ، ويختمونه بالتوحيد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية