الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ثلاثين ومائة

فمن الحوادث فيها دخول أبي مسلم مرو ، ونزوله دار الإمارة بها ، ومطابقة علي بن جديع الكرماني إياه على حرب نصر بن سيار ، ودخلها لتسع خلون من جمادى الأولى يوم الخميس .

وكان سبب موافقة علي أبا مسلم ، أن أبا مسلم وبخه وقال: أما تستحي من مصالحة نصر وقد قتل أباك بالأمس وصلبه؟! فرجع عنه فانتقض صلح العرب الذين اصطلحوا على قتال أبي مسلم ، فتمكن لذلك أبو مسلم من دخول دار الإمارة بمرو ، وعبأ جنوده لقتال نصر ، فأرسل إلى جماعة بالقتال ، ففهم لاهز ، فقرأ لاهز إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ففطن فهرب وذلك يوم الجمعة لعشر خلون من جمادى الأول هذه السنة ، وهو اليوم الثاني من دخول أبي مسلم دار الإمارة .

وصفت مرو لأبي مسلم ، وأمر أبا منصور طلحة بن رزيق أن يأخذ البيعة على الجند ، وكان طلحة أحد النقباء الاثني عشر الذين اختارهم محمد بن علي من السبعين الذين استجابوا له حين بعث رسوله إلى خراسان سنة ثلاث ومائة ، أو أربع ومائة ، وأمره أن يدعو إلى الرضا ولا يسمي أحدا .

[ ص: 276 ]

- تسمية الاثني عشر:

سليمان بن كثير ، ومالك بن الهيثم ، وزياد بن صالح ، وطلحة بن رزيق ، وعمرو بن أعين ، وقحطبة بن شبيب ، واسم قحطبة زياد ، وموسى بن كعب أبو عيينة ، ولاهز بن قرظ ، والقاسم بن مجاشع ، وأسلم بن سلام ، وأبو داود خالد بن إبراهيم ، وأبو علي الهروي .

وقد جعل بعض الرواة شبل بن طهمان مكان عمرو بن أعين ، وعيسى بن كعب مكان موسى ، وأبا النجم إسماعيل بن عمران مكان أبي علي الهروي .

ولما هرب نصر بن سيار سار أبو مسلم إلى معسكره ، وأخذ ثقات أصحابه وصناديد مضر الذين كانوا في عسكره ، فكتفهم وحبسهم ثم أمر بقتلهم جميعا . ومضى نصر بن سيار حتى نزل سرخس فيمن اتبعه ، وكانوا ثلاثة آلاف ، ومضى أبو مسلم وعلي بن جديع في طلبه ، فطلباه ليلتهما ثم رجعا إلى مرو ، وقيل: إن لاهزا قرأ: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فقال: يا لاهز أتدغل في الدين ، فقدمه فضرب عنقه .

وفي هذه السنة: قتل شيبان بن سلمة الحروري ، وسبب [قتله] أنه كان هو وعلي بن جديع مجتمعين على قتال نصر ، فلما صالح علي بن الكرماني أبا مسلم ، وفارق شيبان ، تنحى شيبان عن مرو إذ علم أنه لا طاقة له بحرب أبي مسلم وعلي بن جديع مع اجتماعهما على خلافه ، وقد هرب نصر من مرو ، فأرسل إليه أبو مسلم يدعوه إلى بيعته ، فأرسل شيبان: بل أنا أدعوك ، فقال أبو مسلم: إن لم تدخل في أمرنا فارتحل ، فسار إلى سرخس ، فاجتمع إليه جمع من بكر بن وائل ، فأرسل إليه أبو مسلم يدعوه ويسأله أن يكف ، فأخذ الرسل فحبسهم ، فكتب أبو مسلم إلى بسام بن إبراهيم يأمره أن يسير إلى شيبان فيقاتله ، ففعل فهزمه بسام ، فقتل شيبان ، وعده من بكر بن [ ص: 277 ] وائل ، فلما قتل شيبان مر رجل من بكر بن وائل برسل أبي مسلم وهم في بيت ، فأخرجهم وقتلهم . ثم قتل أبو مسلم علي بن جديع .

وفي هذه السنة: قدم قحطبة بن شبيب على أبي مسلم خراسان منصرفا من عند إبراهيم بن محمد ومعه لواؤه الذي عقده له إبراهيم ، فوجهه أبو مسلم حين قدم عليه على مقدمته ، وضم إليه الجيوش ، وجعل إليه العزل والاستعمال ، وكتب إلى الجنود بالسمع والطاعة .

فوجه قحطبة إلى نيسابور للقاء نصر ، وذلك أن شيبان الحروري لما قتل لحق أصحابه بنصر وهو بنيسابور ، فبلغه فارتحل حتى نزل قومس وتفرق عنه أصحابه .

وفيها: قتل نباتة بن حنظلة عامل يزيد بن هبيرة على جرجان ، وذلك أن يزيد بن عمر بن هبيرة بعث نباتة بن حنظلة إلى نصر ، فأتى فارس وأصبهان ثم سار إلى الري وأتى إلى جرجان ، فأرسل أبو مسلم إلى قحطبة ، فلقيه فقتل نباتة ، وانهزم أهل الشام ، وقتل منهم عشرة آلاف .

وفيها: كانت الوقعة بقديد بين أبي حمزة الخارجي وأهل المدينة . وذلك أنه خرج فلقي قريشا بقديد ، فأصاب منهم عددا كثيرا ، ثم ورد فلال الناس المدينة ، ثم دخل أبو حمزة المدينة ، ومضى عبد الواحد بن سليمان والي المدينة إلى الشام فرقي أبو حمزة المنبر وقال: يا أهل المدينة ، سألناكم عن ولاتكم فأسأتم القول فيهم ، وسألناكم: هل يقتلون بالظن؟ فقلتم: نعم ، سألناكم: هل يستحلون المال الحرام والفرج الحرام؟ فقلتم: نعم ، فقلنا لكم: تعالوا نناشدهم إلا تنحوا عنا وعنكم ، فقلتم: لا تفعلوا ذلك ، فقلنا: تعالوا نقاتلهم فإن نظهر نأت بمن يقيم فينا وفيكم كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقلتم: لا نقوى ، فقلنا لكم: فخلوا بيننا وبينهم ، فإن نظفر نعدل في أحكامكم ، ونحملكم على سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ونقسم فيئكم بينكم فأبيتم ، وقاتلتمونا دونهم ، فقاتلناكم فأبعدكم الله وأسحقكم .

وسبب ذلك أن الخوارج لقوا رجال المدينة بقديد ، فقالوا: دعونا نمض على حكم القرآن ، فدعوهم إلى حكم بني مروان ، فقالوا لهم: ما لنا حاجة بقتالكم ، فأبى أهل المدينة فالتقوا يوم الخميس لسبع خلون من صفر سنة ثلاثين ، فقتل أهل المدينة [ ص: 278 ] حتى لم يفلت منهم إلا الشريد ، وقدمت الحرورية المدينة لسبع عشرة خلون من صفر ، وأقاموا بها ثلاثة أشهر .

وكان أبو حمزة يقول على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: من زنى فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر ، ومن سرق فهو كافر .

وبعث مروان أربعة آلاف من عسكره ليقاتلهم ، واستعمل عليهم ابن عطية ، فإن ظفر مضى إلى اليمن ، فقاتل عبد الله بن يحيى بن زيد ومن تبعه . فلما التقى أبو حمزة وابن عطية بوادي القرى قال أبو حمزة: لا تقاتلوهم حتى تختبروهم ، فصاحوا: ما تقولون في القرآن؟ فصاح ابن عطية: نضعه في جوف الجوالق ، قالوا: فما تقولون في اليتيم؟ قالوا: نأكل ماله ونفجر بأمه ، فقاتلوهم . فلما جاء الليل قالوا: ويحك يا ابن عطية! إن الله قد جعل الليل سكنا ، فاسكن نسكن ، فأبى فقاتلهم حتى قتلهم وفر منهم قوم إلى المدينة ، فقتلهم أهل المدينة .

وأقام ابن عطية بالمدينة شهرا ، ثم مضى إلى عبد الله بن يحيى بصنعاء ، فلما وصل التقيا ، فقتل عبد الله وبعث برأسه إلى مروان ، فكتب مروان إلى ابن عطية: أغذ السير لتحج بالناس ، فأسرع وخلف عسكره وخيله ، فلقيته خيل ، فقالوا: أنتم لصوص ، فأخرج ابن عطية كتابه ، وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين وعهده علي الحج ، وأنا ابن عطية ، قالوا: هذا باطل لكنكم لصوص . فقتلوه وقتلوا أصحابه .

وفي هذه السنة: قتل قحطبة بن شبيب من أهل خراسان زهاء ثلاثين ألفا . وذلك أنهم أجمعوا بعد قتل نباتة على الخروج على قحطبة ، فقتل منهم هذا المقدار .

وكتب أبو مسلم إلى قحطبة أن يتبع نصرا ، فكتب نصر إلى ابن هبيرة يستمده فأبطأ عليه المدد .

وفي هذه السنة: غزا الوليد بن هشام الصائفة .

وفيها: وقع طاعون بالبصرة .

[ ص: 279 ]

وفيها: حج بالناس محمد بن عبد الملك بن مروان ، وكان إليه مكة والمدينة والطائف . وكان على العراق يزيد بن هبيرة ، وعلى قضاء الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي ، وعلى قضاء البصرة عباد بن منصور ، وعلى خراسان نصر بن سيار .

التالي السابق


الخدمات العلمية